للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَنْهُ، كَتَخْصِيصِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَ الْقَائِلِ: مَا لِي صَدَقَةٌ عَلَى الزَّكَاةِ. فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ عَامٌّ فِي التَّصْدِيقِ بِجَمِيعِ مَالِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَخْتَصُّ بِمَالِ الزَّكَاةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُضَافَةِ إلَيْهِمْ أَمْوَالُ الزَّكَاةِ، فَعَدَلَ عَنْ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَالِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ بِزَكَوِيٍّ بِمَا حَكَمَ بِهِ فِي نَظَائِرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ إلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْحُكْمِ، لِدَلِيلٍ اقْتَضَى الْعُدُولَ وَهُوَ الْآيَةُ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ قَوْلُ الْمُحَصِّلِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ أَصْحَابُنَا، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ الَّذِي اقْتَضَى إلْحَاقَهَا بِنَظَائِرِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَاسِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ إلَّا لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ كُلُّهُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهُ عُدُولٌ بِالْخَاصِّ عَنْ بَقِيَّةِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِدَلِيلٍ. وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ فَسَّرَهُ بِأَدَقِّ الْقِيَاسَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمَنْخُولِ ": الصَّحِيحُ فِي ضَبْطِهِ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ. وَقَدْ قَسَّمَهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ وَتَرْكُ الْقِيَاسِ، كَمَا فَعَلُوا فِي مَسْأَلَةِ الْقَهْقَهَةِ وَنَبِيذِ التَّمْرِ. الثَّانِي: اتِّبَاعُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ، كَمَا قَالُوا فِي أُجْرَةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ بِأَرْبَعِينَ، اتِّبَاعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ. الثَّالِثُ: اتِّبَاعُ الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ، كَالْمُعَاطَاةِ، فَإِنَّ اسْتِمْرَارَهَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ نَقْلِهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ فِي عَصْرِ الرَّسُولِ.

الرَّابِعُ: اتِّبَاعُ مَعْنَى خَفِيٍّ هُوَ أَخَصُّ بِالْمَقْصُودِ، كَمَا فِي إيجَابِ الْحَدِّ بِشُهُودِ الزَّوَايَا، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ فَعْلَةً وَاحِدَةً كَأَنْ يَزْحَفُ فِيهَا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ وَجَبَ عِنْدَنَا، لَكِنَّ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ يُتَّبَعُ عِنْدَنَا. وَأَمَّا أَنَّ الْأَعْصَارَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>