إذَا عَلِمْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ الْحَنَفِيَّةُ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ: وَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، لِأَنَّا نُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ الْأَحْسَنُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ، كَمَا خَصَّ خُرُوجَ الْجِصِّ وَالنُّورَةِ مِنْ عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ " الْعُنْوَانِ ". قَالَ شَارِحُهُ: وَفِي حَصْرِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى نَظَرٌ عِنْدِي، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْمَاوَرْدِيُّ: نَحْنُ نُخَالِفُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ عِنْدَنَا. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلَوْ كَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ لَمَا جَازَ تَرْكُهُ إلَى الْقِيَاسِ، كَمَا لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ مَعَ قِيَامِ دَلِيلِ الْمُخَصِّصِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَرَكَ أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ بِأَضْعَفِهِمَا إذَا كَانَ حَتْمًا، كَمَا قَالَ فِي شُهُودِ الزِّنَى: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَلَكِنْ أَحَدَّهُ اسْتِحْسَانًا.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَهُوَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ يُخَالِفُ فِيهِ، لِأَنَّ أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ عِنْدَنَا أَحْسَنُ مِنْ أَضْعَفِهِمَا، وَلِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوَايَا لَا قِيَاسَ أَصْلًا وَلَا خَبَرًا. الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَخْصِيصُ الْقِيَاسِ بِالسُّنَّةِ، حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَلِأَجْلِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُمْ رُبَّمَا يُسْنِدُونَ لِمَا يَرَوْنَهُ إلَى خَبَرٍ، كَمَصِيرِهِمْ إلَى أَنَّ النَّاسِي بِالْأَكْلِ لَا يُفْطِرُ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ. الْخَامِسُ: قَالَ إلْكِيَا: وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ، مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيّ أَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَائِلَ عَنْ نَظَائِرِهَا لِدَلِيلٍ خَاصٍّ يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فِيهِ إلَى الثَّانِي، سَوَاءٌ كَانَ قِيَاسًا أَوْ نَصًّا، يَعْنِي أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَعْدِلُ عَنْ الْحُكْمِ مِنْ مَسْأَلَةٍ بِمَا يَحْكُمُ فِي نَظَائِرِهَا إنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ، لِوَجْهٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute