النَّصْبِ فَقَالُوا: هَذَا نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ، وَهَذَا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ. ثُمَّ نَبَّهَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ، فَإِنَّ تَفْسِيرَ الِاسْتِحْسَانِ بِمَا يُشَنَّعُ عَلَيْهِمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ.
وَاَلَّذِي يَقُولُونَ بِهِ إنَّهُ الْعُدُولُ فِي الْحُكْمِ مِنْ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. فَهَذَا مِمَّا لَمْ يُنْكِرْهُ. لَكِنْ هَذَا الِاسْمُ لَا نَعْرِفُهُ اسْمًا لِمَا يُقَالُ بِهِ بِمِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ الْقَفَّالِ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِحْسَانِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ لِمَعَانِيهَا فَهُوَ حَسَنٌ، لِقِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ وَتَحْسِينِ الدَّلَائِلِ، فَهَذَا لَا نُنْكِرُهُ وَنَقُولُ بِهِ. وَإِنْ كَانَ مَا يُقَبَّحُ فِي الْوَهْمِ مِنْ اسْتِقْبَاحِ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانِهِ بِحُجَّةٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ وَنَظِيرٍ فَهُوَ مَحْظُورٌ وَالْقَوْلُ بِهِ غَيْرُ سَائِغٍ. وَقَالَ السِّنْجِيُّ: الِاسْتِحْسَانُ كَلِمَةٌ يُطْلِقُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ، وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَنْ يُقَدَّمَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ أَوْ الْعَقْلِيُّ عَلَى حُسْنِهِ، كَالْقَوْلِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَقِدَمِ الْمُحْدِثِ، وَبَعْثِهِ الرُّسُلَ وَإِثْبَاتِ صِدْقِهِمْ، وَكَوْنِ الْمُعْجِزَةِ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَمِثْلُ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، لِهَذَا الضَّرْبِ يَجِبُ تَحْسِينُهُ، لِأَنَّ الْحُسْنَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ، وَالْقُبْحُ مَا قَبَّحَهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَحْظُورًا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَفِي عَادَاتِ النَّاسِ إبَاحَتُهُ، وَيَكُونُ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ يُغَلِّظُهُ، وَفِي عَادَاتِ النَّاسِ التَّخْفِيفُ، فَهَذَا عِنْدَنَا يَحْرُمُ الْقَوْلُ بِهِ وَيَجِبُ اتِّبَاعُ الدَّلِيلِ وَتَرْكُ الْعَادَةِ وَالرَّأْيِ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ إنْ كَانَ خَبَرَ وَاحِدٍ أَوْ قِيَاسًا اُسْتُحْسِنَ تَرْكُهُمَا وَالْأَخْذُ بِالْعَادَاتِ، كَقَوْلِهِ فِي خَبَرِ الْمُتَبَايِعَيْنِ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ، فَرَدَّ الْخَبَرَ بِالِاسْتِحْسَانِ وَعَادَةِ النَّاسِ. وَكَقَوْلِهِ فِي شُهُودِ الزَّوَايَا. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute