للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ثَانِيهَا) : أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا فِي الْأَذْهَانِ فَجَائِزٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَعَارَضُ عِنْدَ الْإِنْسَانِ دَلِيلَانِ قَاطِعَانِ بِحَيْثُ يَعْجِزُ عَنْ الْقَدْحِ فِي أَحَدِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرُوا هَذَا التَّفْصِيلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمَارَتَيْنِ فَلْيَجِئْ مِثْلُهُ فِي الْقَاطِعَيْنِ، وَأَمَّا التَّعَادُلُ بَيْنَ الْأَمَارَتَيْنِ فِي الْأَذْهَانِ فَصَحِيحٌ، وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُنَصِّبُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْحُكْمِ أَمَارَتَيْنِ مُتَكَافِئَتَيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمَنَعَهُ الكرخي وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ أَرْجَحَ وَإِنْ جَازَ خَفَاؤُهُ عَلَى بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ اعْتِدَالِهِمَا قَالَ إلْكِيَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ قَالَ الْعَنْبَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّهُ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَنَصَرَهُ، وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَصَارَ صَائِرُونَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ قَالَ إلْكِيَا: وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ اخْتَارَ إلْكِيَا قَوْلَ الْكَرْخِيِّ، وَنَقَلَهُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَقَالَ: إنَّهُ قَطَعَ بِهِ قَالَ: وَالِاسْتِحَالَةُ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ بِالْقَوْلَيْنِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فَلَا يَدُلُّ، لِأَنَّهُ تَعَادُلٌ ذِهْنِيٌّ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ فِي الْبَيِّنَتَيْنِ فَالْمَأْخَذُ مُخْتَلِفٌ، بَلْ نَصَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي الرِّسَالَةِ "، فَقَالَ فِي بَابِ عِلَلِ الْأَحَادِيثِ: وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَيْنِ نُسِبَا لِلِاخْتِلَافِ فَكَشَفْنَاهُ إلَّا وَجَدْنَا لَهُمَا مَخْرَجًا، وَعَلَى أَحَدِهِمَا دَلَالَةٌ بِمُوَافَقَةِ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الدَّلَائِلِ انْتَهَى وَقَرَّرَهُ الصَّيْرَفِيُّ فِي شَرْحِهَا فَقَالَ: قَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَدًا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ مُتَضَادَّانِ يَنْفِي أَحَدُهُمَا مَا يُثْبِتُهُ الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ وَالْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْسِيرِ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّسْخِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ.

وَقَدْ حَكَى الْجُرْجَانِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بِالْمَنْعِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ اخْتِلَافُ

<<  <  ج: ص:  >  >>