قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ لَمَّا تَسَاوَى عِنْدَهُ الدَّلِيلَانِ تَوَقَّفَ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يُخَيِّرْ فِي الْأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، بَلْ أَخَذَ بِالْأَحْوَطِ وَجَمَعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، فَقَالَ: يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ، نَعَمْ، حُكِيَ عَنْهُ التَّخْيِيرُ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْخَيْلِ وَعَدَمِهِ، وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ، وَالرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ فِي اللُّمَعِ " - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ ": إنَّهُ الْأَشْبَهُ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ أُحَادِيَّةً تُؤَدِّي إلَى تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ وَتَعَارُضِهَا، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الشَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ خُلُوُّ الْوَقَائِعِ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَفَصَّلَ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ مَسَائِلِ الْأُصُولِ فَيَمْتَنِعُ، وَبَيْنَ الْفُرُوعِ فَيَجُوزُ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْأُصُولِ الْقَطْعِيَّ فَلَيْسَ خِلَافُنَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا الْخِلَافُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوُقُوعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ قُلْت: هُوَ جَارٍ فِيهِمَا، فَقَدْ حَكَى ابْنُ فُورَكٍ قَوْلًا بِامْتِنَاعِ وُجُودِ خَبَرَيْنِ لَا تَرْجِيحَ بَيْنَهُمَا، وَعَزَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ لِأَحْمَدَ وَالْإِمَامِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي خِلَافِ تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا، وَنَقَلَ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى جَوَازِهِ وَوُقُوعِهِ وَقَدْ قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ فَقَالَ: حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ، ثُمَّ قَضِيَّةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي مَوْضِعِ أَنَّ الْجَوَازَ جَارٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ أَوْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَالْغَزَالِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ: التَّرْجِيحُ بَيْنَ الظَّوَاهِرِ الْمُتَعَارِضَةِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْفُرُوعِ وَاحِدٌ، وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَلَا مَعْنَى لِتَرْجِيحِ ظَاهِرٍ عَلَى ظَاهِرٍ، لِأَنَّ الْكُلَّ صَوَابٌ عِنْدَهُ وَاخْتَارَ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ أَنَّ تَعَادُلَ الْأَمَارَتَيْنِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي فِعْلَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute