عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ فَلَا، وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: بَلْ لِمَخْرَجِهَا طُرُقٌ فَذَكَرَهَا وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ، وَابْنُ فُورَكٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ: الْمُسْتَنْكَرُ اعْتِقَادُهُمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا يَسْتَحِيلُ كَوْنُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدَّيْنِ مِنْ الْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ، وَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لِقَوْلِهِ مَخَارِجُ ثَلَاثَةٌ: (أَحَدُهَا) : اعْتِقَادُهُ الْقَطْعَ بِبُطْلَانِ مَا عَدَا ذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاقِفًا فِيهِمَا، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمْ (ثَانِيهَا) : أَنْ يَخْتَلِفَ قَوْلُهُ لِتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ، كَقَوْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ (ثَالِثِهَا) : أَنْ يَقُولَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّخْيِيرِ لِتَسَاوِي الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَهُوَ كَمَا عَمِلَ عُمَرُ فِي الشُّورَى، جَعَلَ الْأَمْرَ بَيْنَ سِتَّةٍ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاعْتِذَارَ (الْأَوَّلَ) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيّ، وَزَيَّفَهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقْطَعُ بِتَخْطِئَةِ مُخَالِفِهِ، وَمَنْ تَدَبَّرَ أُصُولَهُ عَرَفَ ذَلِكَ، وَحَكَى (الثَّالِثَ) عَنْ الْقَاضِي، وَقَالَ: إنَّهُ بَنَاهُ عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ تَصْوِيبُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَذْهَبُهُ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُ التَّخْيِيرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ تَحْرِيمًا وَالْآخَرُ تَحْلِيلًا، إذْ يَسْتَحِيلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ حَرَامٍ وَمُبَاحٍ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ حَيْثُ نَصَّ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا مَذْهَبٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ لِتَرَدُّدِهِ فِيهِمَا، وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِ لِأَحَدِهِمَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ خَطَأً مِنْهُ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ رُتْبَةِ الرَّجُلِ، وَتَوَسُّعِهِ فِي الْعِلْمِ وَعَمَلِهِ بِطُرُقِ الْأَشْبَاهِ فَإِنْ قِيلَ: فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ: لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ إذْ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute