لَهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَوْلٌ وَلَا قَوْلَانِ، قُلْنَا هَكَذَا نَقُولُ وَلَا نَتَحَاشَى مِنْهُ وَإِنَّمَا وَجْهُ الْإِضَافَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ هُوَ ذِكْرُهُ لَهُمَا، وَاسْتِقْصَاؤُهُ وُجُوهَ الْأَشْبَاهِ فِيهِمَا، هَذَا أَسَدُّهَا وَأَوْضَحُهَا.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَاعْلَمْ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ مُجْتَهِدٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ قَوْلَانِ مُتَنَافِيَانِ فَلَهُ حَالَتَانِ: (الْحَالَةُ الْأُولَى) : أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، ثُمَّ إمَّا أَنْ يُعَقِّبَ بِمَا يُشْعِرُ بِالتَّرْجِيحِ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ: أَحَبُّهُمَا إلَيَّ وَأَشْبَهُهُمَا بِالْحَقِّ عِنْدِي، وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ، أَوْ يَقُولُ: هَذَا قَوْلٌ مَدْخُولٌ أَوْ مُنْكَرٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْآخَرَ لِيَبْعَثَ عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثِهِ مَذَاهِبَ: (أَصَحِّهَا) : أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ قَوْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، بَلْ هُوَ مُتَوَقِّفٌ لِعَدَمِ تَرْجِيحِ دَلِيلِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ فِي نَظَرِهِ، وَقَوْلُهُ: " فِيهِ قَوْلَانِ " أَيْ: احْتِمَالَانِ لِوُجُودِ دَلِيلَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ، لَا أَنَّهُمَا مَذْهَبَانِ لِمُجْتَهِدَيْنِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَلَا نَعْرِفُ مَذْهَبَهُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَذْهَبَيْنِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَحْصُولِ " وَغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) : يَجِبُ اعْتِقَادُ نِسْبَةِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ، وَرُجُوعِهِ عَنْ الْآخَرِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ دُونَ نِسْبَتِهِمَا جَمِيعًا، وَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَالنَّصَّيْنِ إذَا عَلِمْنَا نَسْخَ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَكَالرَّاوِي إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مِنْ شَيْئَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ الْآمِدِيَّ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ عَمَلِ الْفُقَهَاءِ (وَالثَّالِثِ) : أَنَّ لَهُ قَوْلَيْنِ، وَحُكْمُهُمَا التَّخْيِيرُ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ ": قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ ": وَهَذَا بَنَاهُ الْقَاضِي عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute