للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْتِقَادِهِ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ تَصْوِيبُ الْمُجْتَهِدِينَ، لَكِنْ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ، فَلَا يُمْكِنُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ، وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْقَوْلَانِ بِتَحْرِيمٍ وَإِبَاحَةٍ، وَيَسْتَحِيلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ دُونِ تَرْجِيحٍ قَلِيلٌ، حَتَّى نَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ ": إلَّا بِضْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَوَقَعَ فِي الْمَحْصُولِ " ذَلِكَ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَجَزَمَ بِأَنَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ، وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ، لَكِنْ رَأَيْتُ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا انْتَخَبَهُ مِنْ كِتَابِ شَرْحِ التَّرْتِيبِ " لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ مَا لَفْظُهُ: كَانَ أَبُو حَامِدٍ يَذْكُرُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَبْلُغُ مَا لَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ أَقَاوِيلُهُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ، وَالْبَاقِيَ كُلَّهَا قَطَعَ فِيهَا بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَقَاوِيلِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِهَا: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْحَقِّ، وَفِي بَعْضِهَا: وَهُوَ الْأَقْيَسُ، وَفِي بَعْضِهَا: وَهُوَ أَوْلَاهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقَطْعِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَبْلُغُ عَشَرًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ، قَالُوا: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَعَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ مِنْهُمَا وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَعَيَّنَ لَهُ وَكَانَ مُتَوَقِّفًا فِيهِمَا فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يَكُونَا مَذْهَبَيْنِ فَلَيْسَ لِذِكْرِهِمَا فِي مَوْضِعٍ وَاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا مَعْنًى، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِمَا فَلَيْسَ لِذِكْرِهِمَا فَائِدَةٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُمَا لَيُعَلِّمَ أَصْحَابَهُ طُرُقَ اسْتِخْرَاجِ الْعِلَلِ وَالِاجْتِهَادِ، وَبَيَانَ مَا يُصَحِّحُ الْعِلَلَ وَيُفْسِدُهَا، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُبَيِّنَ مَدَارِكَ الْأَحْكَامِ كَمَا يُبَيِّنُ الْأَحْكَامَ، وَلِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا عَدَاهُمَا بَاطِلٌ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِي أَحَدِهِمَا (انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي)

<<  <  ج: ص:  >  >>