وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّمَا يَذْكُرُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ نَظَرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّهُ فِي مُدَّةِ النَّظَرِ وَيَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى الْوَقْفِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَذَلِكَ غَايَةُ الْوَرَعِ وَهُوَ دَأْبُ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ، كَمَا قَالَ عُثْمَانُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ قَالَ: وَيُتَّجَهُ فِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَسْئِلَةٍ: (أَحَدِهَا) : أَنَّ الْمُفْتِيَ إنَّمَا يُفْتِي بِالْحُكْمِ لَا بِالتَّرَدُّدِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ قَرِيبٌ مِنْ سِتِّينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ عَلَى مَا حَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا جَمْعُ الْقَوْلِ مُتَرَدِّدٌ فِي بِضْعِ عَشْرَةِ مَسْأَلَةٍ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ يُوجَدُ مِنْهُ حُكْمُ هَذَا التَّرَدُّدِ (الثَّانِي) : إنْ كَانَ حَاصِلُهُ التَّرَدُّدَ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهَا؟ وَجَوَابُهُ: لَهُ خَمْسُ فَوَائِدَ: (١) - وَضْعُ تَصْوِيرِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ صَعْبٌ (٢) - وَالتَّحْرِيكُ لِدَاعِيَةِ النَّظَرِ فِيهَا (٣) - وَحَثُّهُ لِأَصْحَابِهِ لِتَخْرِيجِهَا عَلَى أَشْبَهِ أُصُولِهِ (٤) - وَإِنَّهُ يَكْفِي مُؤْنَةَ النَّظَرِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ سِوَى مَا ذَكَرَهُ (٥) - وَذَكَرَ تَوْجِيهَهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ وَجْهَ كُلٍّ، فَتَحْصُلُ مَعْرِفَةُ الْأَدِلَّةِ وَمَدَارِكُ الْعُلَمَاءِ، وَيَهُونُ النَّظَرُ فِي طَلَبِ التَّرْجِيحِ فَإِنَّ طَلَبَ التَّرْجِيحِ وَحْدَهُ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ الدَّلِيلِ فَعَلَى كُلِّ نَاظِرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ هَذِهِ الْوَظَائِفُ الْخَمْسُ تَصْوِيرُهَا وَطَلَبُ الِاحْتِمَالَاتِ فِيهَا، وَحَصْرُ مَا يَنْقَدِحُ مِنْ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتِ وَطَلَبُ أَدِلَّتِهَا وَطَلَبُ التَّرْجِيحِ وَالشَّافِعِيُّ قَامَ بِالْوَظَائِفِ الْأَرْبَعِ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا الْخَامِسَةَ، فَكَيْفَ تُنْكِرُ فَائِدَةَ الْقَوْلَيْنِ؟ .
، (الثَّالِثِ) : مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا قَوْلَ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: لَهُ قَوْلَانِ؟ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute