فَخَرَّجَهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَقَوْلِهِ فِي الْمُظَاهِرِ: أُحِبُّ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْقُبْلَةِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: رَأَيْت ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِيجَابِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ، فَحَمْلُهَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ أَوْلَى ثَالِثِهَا: أَنْ يَخْتَلِفَ قَوْلُهُ، لِاخْتِلَافِ حَالَيْهِ كَصَدَاقِ السِّرِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ بِاعْتِبَارِهِ، وَفِي مَوْضِعٍ بِاعْتِبَارِ الْعَلَانِيَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِاخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَإِنْ اقْتَرَنَ الْعَقْدُ بِصَدَاقِ السِّرِّ فَهُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَإِلَّا فَعَكْسُهُ رَابِعِهَا: لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ، كَتَرَدُّدِهِ فِي نَقْضِ الْمَلْمُوسِ لِأَجْلِ " لَمَسْتُمْ " أَوْ " لَامَسْتُمْ " وَكَاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَهُ خَامِسِهَا: لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي أَحَدِهِمَا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ ثُمَّ بَلَغَتْهُ سُنَّةٌ نَقَلَتْهُ عَنْ الْأَوَّلِ، كَصِيَامِ الْمُتَمَتِّعِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] ثُمَّ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهَا فَأَوْجَبَ صِيَامَهَا بَعْدَ إحْرَامِهِ وَقِيلَ: يَوْمَ عَرَفَةَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَمِثْلُ هَذَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى سَادِسِهَا: لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي أَحَدِهِمَا بِالْقِيَاسِ ثُمَّ بَلَغَتْهُ سُنَّةٌ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ فَجَعَلَ مَذْهَبَهُ مِنْ بَعْدُ مَوْقُوفًا عَلَى ثُبُوتِ السُّنَّةِ، كَالصِّيَامِ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْغُسْلِ مِنْ غَسْلِهِ.
سَابِعِهَا: أَنْ يَقْصِدَ بِذَكَرِهِمَا إبْطَالَ مَا عَدَاهُمَا، فَيَكُونُ الِاجْتِهَادُ مَقْصُودًا عَلَيْهِمَا وَلَا يَعْدُوهُمَا ثَامِنِهَا: أَنْ يَقْصِدَ بِذِكْرِهِمَا إبْطَالَ مَا يَتَوَسَّطُهُمَا، وَيَكُونُ مَذْهَبُهُ مِنْهُمَا مَا حَكَمَ بِهِ، وَفُرِّعَ عَلَيْهِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ، وَقَدْ قَدَّرَهَا مَالِكٌ بِالثُّلُثِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: إمَّا أَنْ يُوضَعَ جَمِيعُهَا، أَوْ لَا يُوضَعَ شَيْءٌ مِنْهَا تَاسِعِهَا: أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ فَخَرَّجَهُمَا أَصْحَابُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute