فَصْلٌ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ نَقْطَعُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَهُمَا بِالنَّصِّ عَلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ جَاءَ مِنْ جِهَةِ النَّاقِلِ، لَا مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ، لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُدَوِّنْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْعَمِيُّ فِي الْغَرَرِ ": الِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ وُجُوهٍ: (مِنْهَا) : الْغَلَطُ فِي السَّمَاعِ، كَأَنْ يُجِيبَ بِحَرْفِ النَّفْيِ إذَا سُئِلَ عَنْ حَادِثَةٍ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ، فَيُشْتَبَهُ عَلَى الرَّاوِي فَيَنْقُلُ مَا سَمِعَ وَ (مِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلٌ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ يَعْلَمُ بَعْضُ مَنْ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ رُجُوعَهُ عَنْهُ، فَيَرْوِي الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَالْآخَرُ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَرْوِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَ (مِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الثَّانِيَ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، فَيَسْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فَيَنْقُلُ كَمَا سَمِعَ وَ (مِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، وَمِنْ جِهَةِ الْبَرَاءَةِ لِلِاحْتِيَاطِ، فَيَذْكُرُ الْجَوَابَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعٍ، وَمِنْ جِهَةِ الِاحْتِيَاطِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَيَنْقُلُ كَمَا سَمِعَ قَالَ: وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، فَهُوَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الرِّوَايَةِ وَقَعَ مِنْ جِهَةِ النَّاقِلِ دُونَ الْمَنْقُولِ عَنْهُ، فَأَبُو حَنِيفَةَ حَصَلَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إطْلَاقُ الْقَوْلَيْنِ وَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا فَعَجَبٌ انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute