لِأَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِي الْوَقْتِ، فَقُدِّمَ مَا فِيهِ. وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ فِي الدَّلَائِلِ " فِي تَعَارُضِ الْآيَتَيْنِ أَنَّهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ تَوْقِيفٌ صِرْنَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْعُمُومُ فَفِيهَا وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنَّا نَنْظُرُ إلَى أَيِّهِمَا أَعَمَّ اللَّفْظَيْنِ بِوَجْهٍ، فَيُجْعَلُ الْآخَرُ فِي الْخَاصَّةِ. وَ (الثَّانِي) : إلَى أَيِّ اللَّفْظَتَيْنِ اُبْتُدِئَ بِهَا فَالْأُخْرَى مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا، لِأَنَّك لَوْ أَثْبَتَّ اللَّفْظَةَ الثَّانِيَةَ كَانَ فِيهَا رَفْعُ مَا اُبْتُدِئَ بِذِكْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ مِنْ الثَّانِيَةِ إلَّا مَا لَا يُبْطِلُ الْأُولَى فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلثَّانِي عَلَى مَا قُلْنَا فِي التَّرْتِيبِ كَأَنَّا قُلْنَا: كُلُّ مِلْكِ يَمِينٍ فَهُوَ مُبَاحٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] فَذَكَرَ عُمُومَ الزَّوْجَاتِ وَعُمُومَ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَكَانَ أَخَصَّ مِمَّا ذَكَرْت مِنْ الزَّوْجَاتِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمِلْكُ وَالنِّكَاحُ مُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج: ٣٠] وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ تُقَابِلَ الْآيَةَ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى لِمَا وَصَفْتُهُ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْأُصُولِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْوَقْفُ إلَّا بِتَرْجِيحٍ يَقُومُ عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ. قَالَ: وَكَأَنَّ مُرَادَهُمْ التَّرْجِيحُ الْعَامُّ الَّذِي لَا يَخُصُّ مَدْلُولَ الْعُمُومِ، كَالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ وَسَائِرِ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَدْلُولِ الْعُمُومِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَدْلُولُ الْعُمُومِ. وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ " التَّفْصِيلَ السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْفَاضِلُ أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، فِيمَا وَجَدْتُهُ مُعَلَّقًا عَنْهُ: الْعَامَّانِ إذَا تَعَارَضَا فَكَمَا يُخَصَّصُ هَذَا بِذَاكَ لِمُعَارِضَتِهِ أَمْكَنَ أَنْ يُخَصَّصَ ذَلِكَ بِهَذَا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُنْظَرُ فِيهِمَا: إنْ دَخَلَ أَحَدَهُمَا تَخْصِيصٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّخْصِيصِ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَقْصُودًا بِالْعُمُومِ رَجَحَ عَلَى مَا كَانَ عُمُومُهُ اتِّفَاقًا. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute