وَقَالَ فِي بَابِ السَّلَفِ فِيمَنْ حَضَرَ كِتَابَ حَقٍّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ: وَلَوْ تَرَكَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ الْكِتَابَ خِفْت أَنْ يَأْثَمُوا بَلْ لَا أَرَاهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْإِثْمِ وَأَيُّهُمْ قَامَ بِهِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الشُّهُودِ إذَا دُعُوا لِلْأَدَاءِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالْقَاضِي، وَالْغَزَالِيُّ.
قَالُوا: وَالْجُمْلَةُ مُخَاطَبَةٌ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْحَرَجُ، وَمَتَى لَمْ تَقَعْ الْكِفَايَةُ فَالْكُلُّ آثِمُونَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهُمَا افْتَرَقَا فِي السُّقُوطِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. ثُمَّ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ " عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ وَجَبَ عَلَى عَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ. قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَمِيعٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، فَإِنْ قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ التَّكْلِيفُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ الْجَمِيعُ. وَيَظْهَرُ تَغَايُرُ الْقَوْلَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ التَّأْثِيمِ عِنْدَ التَّرْكِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَأْثِيمُ كُلِّ وَاحِدٍ يَكُونُ وَاقِعًا بِالذَّاتِ، وَعَلَى الثَّانِي بِالْعَرَضِ، وَقَدْ ضَعَّفَ صَاحِبُ " التَّنْقِيحَاتِ " الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ إذَا تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِالْفِعْلِ، وَلَيْسَ الشَّيْءُ مِمَّا يَفُوتُ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِسْقَاطُهُ عَنْ الْبَاقِينَ رَفْعٌ لِلطَّلَبِ بَعْدَ التَّحَقُّقِ فَيَكُونُ نَسْخًا، وَلَا يَصِحُّ دُونَ خِطَابٍ جَدِيدٍ، وَلَا خِطَابَ، فَلَا نَسْخَ، فَلَا سُقُوطَ. بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ وُجُوبُهُ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمِيعٌ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ هَذَا الْإِشْكَالُ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute