عَلَى جُمْلَةٍ إيجَابُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الثَّانِي، فَإِنَّ تَكْلِيفَ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ لَا يُعْقَلُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْأَفْرَادُ رَجَعَ لِقَوْلِنَا.
وَقَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْهُ رَفْعُ الطَّلَبِ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ رَفْعَ الطَّلَبِ كَمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ يَكُونُ بِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ احْتِرَامًا لِلْمَيِّتِ كَمَا أَوْجَبَ دَفْنَهُ سَتْرًا لَهُ، فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ طَائِفَةٌ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَيَسْقُطُ الْوُجُوبُ؛ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ، كَمَا أَنَّهُ يَسْقُطُ وُجُوبُ الدَّفْنِ إذَا احْتَرَقَ الْمَيِّتُ أَوْ أَكَلَهُ السَّبُعُ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ.
وَيَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: " وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ " فِيهِ تَجَوُّزٌ، فَإِنَّ عِلَّةَ السُّقُوطِ بِالْحَقِيقَةِ هِيَ انْتِفَاءُ عِلَّةِ الْوُجُوبِ لَا فِعْلُ الْبَعْضِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِعْلُ الْبَعْضِ سَبَبًا لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ نُسِبَ السُّقُوطُ إلَيْهِ تَجَوُّزًا. هَذَا إنْ عَلَّلْنَا أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَقَاصِدِ، وَمَنْ لَمْ يُعَلِّلْهَا بِالْمَقَاصِدِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ بَعْضِهِمْ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ الْبَاقِينَ، وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْكُلِّ لَمَا سَقَطَ بِفِعْلِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ الْآخَرَ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ، وَتَارِكُ الْوَاجِبِ مُسْتَحِقُّ الْعِقَابِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِيجَابَ مُتَعَلَّقٌ بِالْجَمِيعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالْجَمِيعِ تَعَلُّقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ سُقُوطَهُ عَنْ الْبَاقِينَ لَتَعَذُّرِ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَالتَّكْلِيفُ تَارَةً يَسْقُطُ بِالِامْتِثَالِ، وَتَارَةً يَسْقُطُ بِتَعَذُّرِ الِامْتِثَالِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: هَلْ نَقُولُ إذَا فَعَلَهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهُمْ، أَوْ نَقُولُ بِأَنَّ آخِرَ الْأَمْرِ أَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَتَنَاوَلْ سِوَى مَنْ فَعَلَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute