قُلْت: وَهُوَ يُشْبِهُ الْقَوْلَ الْمَحْكِيَّ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا بِالْفِعْلِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْبَعْضِ، وَعَلَى هَذَا فَهَلْ هُوَ مُبْهَمٌ أَوْ مُعَيَّنٌ؟ قَوْلَانِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ هَلْ هُوَ مَنْ قَامَ بِهِ أَوْ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ دُونَ النَّاسِ؟ قَوْلَانِ، وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَجْهُ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِطَائِفَةٍ مُبْهَمَةٍ وَيَتَعَيَّنُ بِالْفِعْلِ. وَحَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ تَفْصِيلًا بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يَجِبُ وَإِلَّا وَجَبَ، وَاسْتَحْسَنَهُ. قَالَ: وَالْخِلَافُ عِنْدِي لَفْظِيٌّ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ: بِأَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ هَلْ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ؟ فَمَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْجَبَهُ بِالشُّرُوعِ لِمُشَابِهَتِهِ فَرْضَ الْعَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: إذَا فَعَلَتْهُ طَائِفَةٌ، ثُمَّ فَعَلَتْهُ أُخْرَى هَلْ يَقَعُ فِعْلُ الثَّانِيَةِ فَرْضًا؟ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ.
وَكَلَامُ الْإِمَامِ فِي الْمَحْصُولِ مُضْطَرِبٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقُولُ: عَلَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُتَنَاوِلًا لِجَمَاعَةٍ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، وَمُرَادُهُ بِالْجَمْعِ أَعَمُّ مِنْ التَّعْمِيمِ وَالِاجْتِمَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَسَمَهُ إلَيْهِمَا، فَقَالَ فِي التَّنَاوُلِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ: إنَّهُ مُمْكِنٌ فَقَدْ يَكُونُ فِعْلُ بَعْضِهِمْ شَرْطًا فِي فِعْلِ الْبَعْضِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْجَمِيعِ لَا جَمِيعًا وَلَا إنْسَانًا، وَإِنَّمَا عَلَى الْبَعْضِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: فَمَتَى حَصَلَ ذَلِكَ بِالْبَعْضِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَاقِينَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْجَمِيعِ لَمَا قَالَ: " لَمْ يَلْزَمْ الْبَاقِينَ " بَلْ كَانَ يَقُولُ: (سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ) غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ السُّقُوطِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي تَأْوِيلُهُ لِيُجْمَعَ كَلَامَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute