أَبُو مَنْصُورٍ: فَرِوَايَةُ مَنْ لَمْ تَخْتَلِفْ طُرُقُ رِوَايَاتِهِ أَوْلَى، وَذَلِكَ كَرِوَايَةِ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ حَدِيثَ نُصُبِ الزَّكَاةِ، أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِئْنَافِ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، لِأَنَّ الِاسْتِئْنَافَ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْ عَلِيٍّ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ بِخِلَافِهِ. وَحَكَى فِي اللُّمَعِ " فِيهِ وَجْهَيْنِ: (أَحَدَهُمَا) : تُقَدَّمُ رِوَايَةُ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ. وَ (الثَّانِيَ) : يَتَعَارَضَانِ عَمَّنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ، وَيَتَسَاقَطَانِ. وَتَبْقَى رِوَايَةُ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ. قُلْت: وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى الْأَوَّلِ. وَجَزَمَ ابْنُ بَرْهَانٍ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ كَثْرَةِ الرُّوَاةِ، لِأَنَّهُ يُوَافِقُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فِي شَيْءٍ، وَيُسْتَعْمَلُ بِزِيَادَةٍ، فَكَانَ ذَلِكَ كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ. وَقِيلَ: اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ لَمْ تَخْتَلِفْ عَنْهُ الرِّوَايَةُ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ يَكُونُ لِحِفْظِ الرَّاوِي. قَالَ: وَمِثَالُ ذَلِكَ حَدِيثُ الِاسْتِئْنَافِ وَالِاسْتِقْرَارِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «إذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَعِشْرِينَ اسْتَقَرَّتْ الْفَرِيضَةُ» وَأَبُو بَكْرٍ يَرْوِي الِاسْتِقْرَارَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: (اُسْتُؤْنِفَتْ الْفَرِيضَةُ) . وَمَثَّلَهُ إلْكِيَا بِحَدِيثِ وَائِلٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ» ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ الرُّوَاةُ عَنْهُ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَيْهِ، وَرَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْ الْبُرُوكِ بَرْكَ الْإِبِلِ فِي الصَّلَاةِ، أَيْ وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدِيثُ وَائِلٍ انْفَرَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute