وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنِيرِ مَذْهَبًا ثَالِثًا، وَهُوَ تَقْدِيمُ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ عَلَى الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّ، لِأَنَّ الْمَخْصُوصَ قَدْ قَلَّتْ أَفْرَادُهُ حَتَّى قَارَبَ النَّصَّ، إذْ كُلُّ عَامٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نَصًّا فِي أَقَلِّ مُتَنَاوَلَاتِهِ، فَإِذَا قَرُبَ مِنْ الْأَقَلِّ بِالتَّخْصِيصِ فَقَدْ قَرُبَ مِنْ التَّنْصِيصِ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقَدُّمِ. .
(رَابِعُهَا) يَتَقَدَّمُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ عَلَى الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ، إنْ قُلْنَا: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ يُوهِنُهُ وَيَحُطُّهُ عَنْ رُتْبَةِ الْعُمُومِ الْمُطْلَقِ، وَمَبْنَى التَّرْجِيحِ عَلَى غَلَبَةِ الظُّنُونِ، قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ "، وَسَبَقَ مِثْلُهُ عَنْ إلْكِيَا، وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعِ " وَسُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ "، وَصَاحِبُ الْمَحْصُولِ " وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: لِأَنَّ الْوَارِدَ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ مُتَّفَقٌ عَلَى عُمُومِهِ، وَالْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ مُخْتَلَفٌ فِي عُمُومِهِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ السَّبَبِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأَفْرَادِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ الْعَامَّيْنِ فَلَا، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ رَاجِحٍ، أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَبَّبِ، لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَفْرَادِ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِحَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ، قُلْت: وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ فِي الْمُسَبَّبِ. .
(خَامِسُهَا) تَرْجِيحُ الْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ، لِتَبَادُرِهَا إلَى الذِّهْنِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يُغَلَّبْ الْمَجَازُ، فَإِنْ غُلِّبَ كَانَ أَظْهَرَ دَلَالَةً مِنْهَا، فَلَا تُقَدَّمُ الْحَقِيقَةُ عَلَيْهِ. .
(سَادِسُهَا) أَنْ يَكُونَ مَجَازُ أَحَدِهِمَا أَشْبَهَ بِالْحَقِيقَةِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا مَجَازُهُ يُشْبِهُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute