تِلْكَ الْفَصِيحَةِ، كَرِوَايَةِ: «لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ» . .
(ثَانِيهَا) يُرَجَّحُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ. قَالَ إلْكِيَا: وَالْفِقْهُ عَلَى ذَلِكَ يَدُورُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] ثُمَّ رُوِيَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَالشِّغَارِ، وَالْمُحْرِمِ، وَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا، وَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَشَاهِدٍ» . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] ثُمَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَالْحَصَاةِ، وَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَبَيْعٍ وَسَلَفٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةُ، ثُمَّ نَهَى عَنْ أَكْلِ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ، وَلَئِنْ حَمَلَ حَامِلٌ النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ بِدَلَالَةِ الْعُمُومِ وَجَدَ مَقَالًا، وَلَكِنْ يُقَالُ: الْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ، فَإِنَّ الْخَاصَّ أَقْرَبُ إلَى التَّعْيِينِ مِنْ الْجُمْلَةِ إذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا تَمْهِيدَ الْأُصُولِ. .
(ثَالِثُهَا) يُقَدَّمُ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصْ عَلَى الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ. نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَجَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ دُخُولَ التَّخْصِيصِ يُضْعِفُ اللَّفْظَ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مَجَازًا عَلَى قَوْلٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ: لِأَنَّ الَّذِي قَدْ دَخَلَهُ قَدْ أُزِيلَ عَنْ تَمَامِ مُسَمَّاهُ، وَالْحَقِيقَةُ تُقَدَّمُ عَلَى الْمَجَازِ، وَاعْتَرَضَ الْهِنْدِيُّ بِأَنَّ الْمَخْصُوصَ رَاجِحٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْهُ التَّخْصِيصُ. وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ التَّقْدِيمَ عَنْ قَوْمٍ، وَوَجَّهَهُ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّعَلُّقِ بِمَا لَمْ يُخَصَّ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا خُصَّ. قَالَ: وَعِنْدَنَا: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي حُكْمِ سَمَاعِ الْحَادِثَةِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ كَهُوَ مِنْ اللَّفْظِ الْآخَرِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَخْصُوصَ يَدُلُّ عَلَى قُوَّتِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كَالنَّصِّ عَلَى تِلْكَ الْعَيْنِ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إذَا اُسْتُثْنِيَ بَعْضُهُ صَحَّ التَّعَلُّقُ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute