وَصَحَّحَهُ الْبَاجِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ. وَصَوَّرَ فِي الْحَاصِلِ " الْمَسْأَلَةَ بِأَنْ يَقْتَضِيَ الْعَقْلُ حُرْمَةَ وَإِبَاحَةَ مَا أَبَاحَهُ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ، وَحَرَّمَهُ الْآخَرُ.
ثُمَّ نَقَلَ فِيهِ التَّسَاوِي، ثُمَّ قَالَ: لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِنَا الْعَازِلِ لِلْعَقْلِ عَنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ. أَمَّا عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فَنَعَمْ. وَقَالَ سُلَيْمٌ: إنْ كَانَ لِلشَّيْءِ أَصْلُ إبَاحَةٍ وَحَظْرٍ، وَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْأَصْلَ، وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ، كَانَ النَّاقِلُ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْلَى، كَتَقْدِيمِ الْخَبَرِ فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ حَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ فَيَرِدُ خَبَرٌ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ، وَآخَرُ الْحَظْرَ، فَوَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْحَظْرَ أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ، وَلِأَنَّ الْحَرَامَ يَغْلِبُ. وَ (الثَّانِي) أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاحِ كَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ.
وَقَدْ رَوَيْنَا فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحَمَّامِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أُمِّ مَعْبَدٍ مَوْلَاةِ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ، أَيْ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ كَالْمُسْتَحِلِّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ إلْكِيَا: إنْ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ هِيَ الْأَصْلُ فَالْحَظْرُ أَوْلَى، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْمُتَعَارِضِ، فَنُقَدِّمُ الْإِبَاحَةَ عَلَى طَرَيَان الْحَظْرِ، فَكَأَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي حُكْمِ الْمَنْسُوخِ. وَإِنْ كَانَ الْحَظْرُ هُوَ الْأَصْلُ فَالْأَخْذُ بِالْإِبَاحَةِ أَوْلَى. أَمَّا إذَا تَعَارَضَا وَلَمْ يُعْلَمْ أَصْلُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مَوْضِعُ التَّوَقُّفِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute