للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاعْتِبَارُ الثَّانِي - بِحَسَبِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فَنَقُولُ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ إمَّا قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ أَمَّا الْأَوَّلُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْلُومَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَظْنُونَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهَا بَدِيهِيًّا أَوْ ضَرُورِيًّا وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنَّ مَا عُلِمَ وُجُودُهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ هَلْ يُرَجَّحُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ؟ كَمَا إذَا عُلِمَ وُجُودُ كُلِّهِ بِالْبَدِيهَةِ وَالْحِسِّ، هَلْ يُرَجَّحُ عَلَى مَا عُلِمَ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ؟ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ الْمَعْلُومَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَعْلُومَةً بِالْبَدَاهَةِ وَالْأُخْرَى بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي النَّصَّيْنِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا التَّرْجِيحُ لِعَدَمِ قَبُولِهِمَا احْتِمَالَ النَّقِيضِ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ ": وَكَلَامُ أَبِي الْحُسَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْلُومَةَ تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَالْبَدِيهِيَّاتُ وَالْحِسِّيَّاتُ رَاجِحَةٌ عَلَى النَّظَرِيَّاتِ وَأَمَّا أَنَّ الْبَدِيهِيَّاتِ تُرَجَّحُ عَلَى الْحِسِّيَّاتِ أَوْ الْعَكْسَ فَمَحَلُّ نَظَرٍ وَلَا شَكَّ فِي تَرْجِيحِ بَعْضِ الْبَدِيهِيَّاتِ عَلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ الضَّرُورِيَّاتُ وَالنَّظَرِيَّاتُ وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ أَجْلَى وَأَظْهَرَ عِنْدَ الْعَقْلِ فَهُوَ رَاجِحٌ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ قِيلَ: كُلَّمَا كَانَتْ الْمُقَدَّمَاتُ الْمُنْتِجَةُ لَهُ أَقَلَّ فَهُوَ أَوْلَى قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عَلَى إطْلَاقِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الْمُقَدَّمَاتُ الْمُنْتِجَةُ لَهُ أَقَلَّ وَهُوَ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَكُونُ مُقَدَّمَاتُهُ أَكْثَرَ، بِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمُقَدَّمَاتِ مَظْنُونًا ظَنًّا قَوِيًّا، وَالْمُقَدَّمَاتُ الْقَلِيلَةُ تَكُونُ مَظْنُونَةً ظَنًّا ضَعِيفًا، بَلْ الْأَقَلُّ إنَّمَا يُرَجَّحُ إذَا سَاوَى الْأَكْثَرَ فِي كَيْفِيَّةِ الظَّنِّ، فَحَصَلَ إنْ كَانَ مَا يُفِيدُ ظَنًّا أَرْجَحَ مِنْ الَّذِي يُفِيدُهُ الْآخَرُ فَهُوَ أَوْلَى، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِقِلَّةِ الْمُقَدَّمَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَضَعْفِهَا وَقُوَّتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>