فَيَكُونُ فَرْضُ الِاجْتِهَادِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا تَفَرَّدَ بِالْحُكْمِ فِيهِ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنْهُمَا وَالثَّالِثُ عَلَى حَالَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) فِيمَا يَجْتَهِدُ فِيهِ الْعَالِمُ مِنْ غَيْرِ النَّوَازِلِ، لِيَسْبِقَ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ قَبْلَ نُزُولِهِ وَ (الثَّانِي) أَنْ يَسْتَفْتِيَهُ قَبْلَ نُزُولِهَا.
مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ خُلُوُّ الْعَصْرِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَحْصُولِ " وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: الْخَلْقُ كَالْمُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْإِمَامِ الرَّازِيَّ، أَوْ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ ": قَدْ خَلَا الْعَصْرُ عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ وَنَقْلُ الِاتِّفَاقِ فِيهِ عَجِيبٌ، وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَابِلَةِ، وَسَاعَدَهُمْ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا، وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَقِيهَ الْفَطِنَ الْقَيَّاسَ كَالْمُجْتَهِدِ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ، لَا النَّاقِلِ فَقَطْ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَجُوزُ خُلُوُّ الْعَصْرِ عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَبِهِ جَزَمَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالزُّبَيْرِيُّ فِي الْمُسْكِتِ " فَقَالَ الْأُسْتَاذُ: وَتَحْتَ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: لَا يُخْلِي اللَّهُ زَمَانًا مِنْ قَائِمٍ بِالْحُجَّةِ، أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَهُمْ ذَلِكَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ خَلَّى زَمَانًا مِنْ قَائِمٍ بِحُجَّةٍ زَالَ التَّكْلِيفُ، إذْ التَّكْلِيفُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْحُجَّةِ الظَّاهِرَةِ وَإِذَا زَالَ التَّكْلِيفُ بَطَلَتْ الشَّرِيعَةُ وَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ: لَنْ تَخْلُوَ الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِالْحُجَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَدَهْرٍ وَزَمَانٍ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَوْجُودٍ - كَمَا قَالَ الْخَصْمُ - فَلَيْسَ بِصَوَابٍ، لِأَنَّهُ لَوْ عَدِمَ الْفُقَهَاءُ لَمْ تَقُمْ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا، وَلَوْ عُطِّلَتْ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا لَحَلَّتْ النِّقْمَةُ بِذَلِكَ فِي الْخَلْقِ، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ» وَنَحْنُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ نُؤَخَّرَ مَعَ الْأَشْرَارِ. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute