للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْتَصْفَى. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ مَنْعٌ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَلَيْسَ بِمَرَضِيٍّ، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ أَيْضًا كَذَلِكَ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ بِزَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ وَرَدَ الْإِذْنُ بِذَلِكَ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ نَزَّلَ السُّكُوتَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اشْتَرَطَ صَرِيحَ الْإِذْنِ، حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاضِرِ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ سُؤَالِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَمَا لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ طَلَبِ النَّصِّ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِلسَّالِكِ فِي بَرِّيَّةٍ مَخُوفَةٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى رَأْيِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ سُؤَالِ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ الطَّرِيقِ عَنْ عِلْمٍ. وَإِذَا سَأَلَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجُوزُ أَنْ يَكِلَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى اجْتِهَادِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا. وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: يُشْتَرَطُ تَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ مَعَ النَّصِّ ثُمَّ يَتَأَمَّلُ: فَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ صِرْنَا إلَى النَّصِّ، كَذَلِكَ يَجْتَهِدُ بِحَضْرَتِهِ، فَإِنْ أَفْتَى عَلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ حَقٌّ، وَفَصَّلَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْحَاضِرِ بَيْنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ، كَإِيجَابِ شَيْءٍ أَوْ تَحْرِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَقَدْ أَفْتَى أَبُو السَّنَابِلِ بِاجْتِهَادِهِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَأَخْطَأَ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ، كَاجْتِهَادِهِمْ فِيمَا يَجْعَلُونَ عَلَمًا لِلدُّعَاءِ إلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى إيجَابِ شَرِيعَةٍ تُلْزِمُ، وَإِنَّمَا كَانَ إيذَانًا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَاجْتَهَدَ قَوْمٌ بِحَضْرَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَنْ هُمْ السَّبْعُونَ أَلْفًا الَّذِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَأَخْطَئُوا فِي ذَلِكَ، حَتَّى بَيَّنَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ هُمْ، وَلَمْ يُعَنِّفْهُمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ. قُلْت: وَإِذَا جَوَّزْنَا لِلْغَائِبِ فَمَا ضَابِطُ الْغَيْبَةِ؟ هَلْ هِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا. لَكِنْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ " أَنَّهُ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ بِفَرْسَخٍ أَوْ فَرَاسِخَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>