وَأَمَّا الْوُقُوعُ: فَاخْتَلَفَ الْمُجَوِّزُونَ فِيهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِأَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَقَعَ ظَنًّا لَا قَطْعًا، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، فَقَالَ: وَقَعَ لِلْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " وَإِلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. وَنَقَلَهُ إلْكِيَا عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. قَالَ: وَهُوَ اُسْتُبْشِعَ فِي الِاسْتِقَامَةِ، وَأَمْيَلُ إلَى الِاقْتِصَادِ مِنْ حَيْثُ تَعَذُّرُ الْمُرَاجَعَةِ مَعَ تَأَنِّي الدَّارِّ فِي كُلِّ وَاقِعَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّ الْأَقْوَى عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ صَاحِبُ " اللُّبَابِ ": إنَّهُ الصَّحِيحُ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي الْحَاضِرِ، وَقَطَعَ فِي الْغَائِبِ بِالْوُقُوعِ. هَذَا حَاصِلُ مَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ الْأَقْوَالِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: اجْتِهَادُ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِهِ لَهُ حَالَتَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنْ تَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ، كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ، فَيَجُوزُ اجْتِهَادُهُمَا، لِأَنَّ مُعَاذًا قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي، فَاسْتَصْوَبَهُ، وَسَوَاءٌ اجْتَهَدَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ. وَيَكُونُ اجْتِهَادُهُ أَمْرًا مُسَوَّغًا مَا لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُهُ. ثَانِيهِمَا - أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُجْتَهِدِ وِلَايَةٌ فَلَهُ حَالَانِ: (أَحَدُهُمَا) - أَنْ يَظْفَرَ بِأَصْلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فَيَجُوزُ اجْتِهَادُهُ فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ إذَا قَدَرَ عَلَى النَّبِيِّ أَنْ يَسْأَلَهُ عَمَّا اجْتَهَدَ فِيهِ، لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ بِأَصْلٍ لَازِمٍ. و (ثَانِيهِمَا) - أَنْ يَعْدَمَ أَصْلًا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخَافُ فَوَاتَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَشْرَعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute