للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُصِيبٌ. وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ الْجَاحِظِ. وَيَلْزَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْعَنْبَرِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ الْمُخَالِفِينَ فِي الدِّينِ مُخْطِئًا. وَأَمَّا الْجَاحِظُ فَجَعَلَ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاحِدًا، وَلَكِنَّهُ يَجْعَلُ الْمُخْطِئَ فِي جَمِيعِهَا غَيْرَ آثِمٍ.

أَمَّا رَأْيُ الْعَنْبَرِيِّ فَبَيَّنَ الِاسْتِحَالَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ، وَأَمَّا [رَأْيُ] الْجَاحِظِ فَبَاطِلٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَاتَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَكَانَ ابْنُ الْعَنْبَرِيِّ يَقُولُ فِي مُثْبِتِي الْقَدَرِ: هَؤُلَاءِ عَظَّمُوا اللَّهَ، وَفِي نَافِي الْقَدَرِ: هَؤُلَاءِ نَزَّهُوا اللَّهَ، وَقَدْ اُسْتُبْشِعَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَصْوِيبَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَسَائِرِ الْكُفَّارِ فِي اجْتِهَادِهِمْ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أُصُولَ الدِّيَانَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْقِبْلَةِ، كَالرُّؤْيَةِ وَخَلْقِ الْأَفْعَالِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس، فَهَذَا مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قُلْت: وَهَذَا أَحَدُ الْمَنْقُولَاتِ عَنْهُ. قَالَ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْعَنْبَرِيِّ فَقَالَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ: إنَّمَا أُصَوِّبُ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الدِّينِ تَجْمَعُهُمْ الْمِلَّةُ. وَأَمَّا الْكَفَرَةُ فَلَا يُصَوِّبُونَ.

وَغَلَا بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ فَصَوَّبَ الْكَافِرِينَ الْمُجْتَهِدِينَ دُونَ الرَّاكِنِينَ إلَى الْبِدْعَةِ. وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ مَعَهُمَا مُخْتَصَرًا فَنَقُولُ: أَنْتُمَا (أَوَّلًا) مَحْجُوجَانِ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَكُمَا وَبَعْدَكُمَا. و (ثَانِيًا) إذَا أَرَدْتُمَا بِذَلِكَ مُطَابَقَةَ الِاعْتِقَادِ لِلْمُعْتَقِدِ فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>