للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَرَجْتُمَا عَنْ حَيِّزِ الْعُقَلَاءِ وَانْخَرَطْتُمَا فِي سِلْكِ الْأَنْعَامِ. وَإِنْ أَرَدْتُمَا الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ وَنَفْيِ الْحَرَجِ - كَمَا نُقِلَ عَنْ الْجَاحِظِ - فَالْبَرَاهِينُ الْعَقْلِيَّةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ الْخَارِجَةِ عَنْ حَدِّ الْحَصْرِ تَرُدُّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ التَّصْوِيبِ بِالْمُجْمِعِينَ عَلَى الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَنَقُولُ: مِمَّا خَاضَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُمُ خَطَرُهُ. وَأَجْمَعُوا قَبْلَ الْعَنْبَرِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ إدْرَاكُ بُطْلَانِهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ ": لَعَلَّهُ أَرَادَ خَلْقَ الْأَفْعَالِ وَخَلْقَ الْقُرْآنِ، إذْ الْمُسْلِمُ لَا يُكَلَّفُ الْخَوْضَ فِيهِ، بِخِلَافِ قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ النُّبُوَّاتِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّ اعْتِقَادَ الْإِصَابَةِ الْمُحَقَّقَةِ عَلَى هَذَا مُحَالٌ. وَقَالَ إلْكِيَا: ذَهَبَ الْعَنْبَرِيُّ إلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَإِثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ، فَالْمُخْطِئُ فِيهِ غَيْرُ مَعْذُورٌ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَدَرِ وَالْجَبْرِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَةِ وَنَفْيِهَا فَالْمُخْطِئُ فِيهِ غَيْرُ مَعْذُورٍ وَلَوْ كَانَ مُبْطِلًا فِي اعْتِقَادِهِ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَالْتِزَامِ الْمِلَّةِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ مَا كُلِّفُوا إلَّا اعْتِقَادَ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَتَنْزِيهِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَبْحَثْ الصَّحَابَةُ عَنْ مَعْنَى الْأَلْفَاظِ الْمُوهِمَةِ لِلتَّشْبِيهِ، عِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّ اعْتِقَادَهَا لَا يَجُرُّ حَرَجًا. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي اجْتِهَادِهِ، وَلَكِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُصِيبِ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُمَا الْجَوَازُ فِي الْأُصُولِ مُطْلَقًا بِمَعْنَى حَطِّ الْإِثْمِ، لَا بِمَعْنَى الْمُطَابَقَةِ لِلْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، إذْ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَمَا ذَكَرَاهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ عَقْلًا، لَكِنَّهُ مُحَالٌ شَرْعًا، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَخْلِيدِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ آثِمِينَ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ. وَأَمَّا ابْنُ فُورَكٍ فَنُقِلَ عَنْهُ ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّأْوِيلُ، نَحْوُ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ وَالْإِرْجَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>