وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ فِي كِتَابِهِ: لِلنَّاسِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ: أَحَدُهَا - أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَعَلَيْهِ دَلِيلٌ مَنْصُوبٌ، فَمَنْ وَضَعَ النَّظَرَ مَوْضِعَهُ أَصَابَ الْحَقَّ، وَمَنْ قَصَرَ عَنْهُ وَفَقَدَ الصَّوَابَ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَلَا إثْمَ، وَلَا نَقُولُ؛ إنَّهُ مَعْذُورٌ، لِأَنَّ الْمَعْذُورَ مَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ لَا عُذْرَ فِي تَرْكِهِ، كَالْعَاجِزِ عَلَى الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَهُوَ عِنْدَنَا قَدْ كُلِّفَ إصَابَةَ الْعَيْنِ لَكِنَّهُ خَفَّفَ أَمْرَ خَطَئِهِ وَأُجِرَ عَلَى قَصْدِهِ الصَّوَابَ، وَحُكْمُهُ نَافِذٌ عَلَى الظَّاهِرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي كِتَابِ " الرِّسَالَةِ " وَ " أَدَبِ الْقَاضِي ".
وَقَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فَالْحَقُّ فِي وَاحِدٍ مِنْ قَوْلَيْهِمَا. وَالثَّانِي - أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ الْمُجْتَهِدَيْنِ لَمْ يُكَلَّفُوا إصَابَتَهُ، وَكُلُّهُمْ مُصِيبُونَ لِمَا كُلِّفُوا مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُخْطِئًا. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمَا كُلِّفُوا الرَّدَّ إلَى الْأَشْبَهِ عَلَى طَرِيقِ الظَّنِّ. انْتَهَى. فَحَصَلَ وَجْهَانِ فِي أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ مَعْذُورٌ أَمْ لَا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَقِيلَ: الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ، وَمَا عَدَاهُ بَاطِلٌ، إلَّا أَنَّ الْإِثْمَ مَرْفُوعٌ عَنْ الْمُخْطِئِ، وَقِيلَ: إنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: فِيهِ قَوْلَانِ هَذَا أَحَدُهُمَا. وَالثَّانِي: إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِأَخَرَةٍ: إنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ مَقْطُوعٍ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّ مُخْطِئَهُ مَأْثُومٌ، وَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ مَنْقُوضٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ فِي أَنَّهُ هَلْ الْكُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute