للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّ أَهْلَ قُبَاءَ بَلَغَهُمْ النَّصُّ فَأَسْرَعُوا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِمْ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِدَلِيلِ عَدَمِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْمُخَابَرَةُ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُخَابِرُ وَلَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى بَلَغَهُ خَبَرُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ بِالنَّهْيِ عَنْهَا. انْتَهَى. .

مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مُكَلَّفٌ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِنْ أَخْطَأَ، قَالُوا بِأَنَّهُ مَأْجُورٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَإِنْ أَخْطَأَ، وَالْمُخْطِئُ غَيْرُ مَأْجُورٍ عَلَى الْخَطَأِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْمُخْطِئُ آثِمٌ، وَقِيلَ: غَيْرُ مَأْجُورٍ وَلَا آثِمٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ بَلْ هُوَ مَأْجُورٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٩] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَرَأَيْت أَنَّ الْحُكَّامَ قَدْ هَلَكُوا. ثُمَّ وَعَلَى مَاذَا يُؤْجَرُ؟ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَأْجُورٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِيهِ لِقَصْدِهِ الصَّوَابَ وَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ، إنَّمَا لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَأِ، لِأَنَّ الْأَجْرَ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْمُثَابِ، وَلَا تَرْغِيبَ فِي الْخَطَأِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْجَرَ عَلَى قَصْدِهِ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ خَطَأً، كَمَا لَوْ اشْتَرَى رَقَبَةً فَأَعْتَقَهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ ثُمَّ وَجَدَهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ بَعْدَ تَلَفِ ثَمَنِهَا، وَهُوَ مَأْجُورٌ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ شِرَاؤُهُ وَعِتْقُهُ لَمْ يَقَعْ، لِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقَصْدِ إلَى فَكِّ الرَّقَبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ.

قَالَ: وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا. وَأَيْضًا لَا بُدَّ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْدِلَ فِي اجْتِهَادِهِ عَنْ طُرُقٍ فَاسِدَةٍ فَيَفْتَحَ لَهُ فَاسِدَهَا إلَى طُرُقٍ مُسْتَقِيمَةٍ يَظُنُّ فِيهِ الْحَقَّ فَعُدُولُهُ عَنْ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ الْفَاسِدَةِ اجْتِهَادٌ صَحِيحٌ فَأُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرَ أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى نِيَّتِهِ وَعَلَى نَفْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>