للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ اللَّهِ، فَأَمَّا عِنْدَنَا فَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ آحَادِ الْأَشْخَاصِ وَأَعْيَانِ الْمَسَائِلِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَشْدِيدُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ فِي بَيْعِ الْعَيِّنَةِ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مُجَاوَزَةٌ لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِإِجْمَاعٍ. وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فِي زَمَانِ عُمَرَ عَلَى أَخْذِ الْفَضْلِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْقِسْمِ الثَّانِي. انْتَهَى. .

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " شَرْحِ الْعُنْوَانِ ": اخْتَلَفُوا فِي كُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ أَمْ لَا، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ هَلْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْوَاقِعَةِ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ أَمْ لَا، وَلْنُقَدِّمْ عَلَيْهِ مُقَدِّمَةً وَهِيَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) : مَطْلُوبٌ بِالِاجْتِهَادِ وَنُصِبَ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ وَالْأَمَارَاتُ فَإِذَا أُصِيبَ حَصَلَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَجْرُ الْإِصَابَةِ، وَالْآخَرُ أَجْرُ الِاجْتِهَادِ.

وَ (الثَّانِي) : وُجُوبُ الْعَمَلِ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَمَنْ يَنْظُرْ إلَى هَذَا الْحُكْمِ الثَّانِي وَلَمْ يَنْظُرْ فِي الْأَوَّلِ قَالَ: إنَّ حُكْمَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ. وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. أَمَّا أَحَدُهُمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى وُجُوبِ الْمَصِيرِ إلَى مَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ. وَأَمَّا الْآخَرُ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ بِالنَّظَرِ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ وَأَصَابَ» لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ أَمْرًا مُعَيَّنًا. وقَوْله تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩] وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ خَلَا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ. وَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. قَالَ: وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا غَوْرَ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الْإِصَابَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَهُوَ حَقٌّ، وَقَدْ وَافَقَ الْغَزَالِيُّ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالَ: إنْ كَانَ ثَمَّ تَقْصِيرٌ فَالْخَطَأُ وَاقِعٌ لِتَقْصِيرِهِ، لَا لِخَطَئِهِ إصَابَةَ أَمْرٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَقْصِيرٌ فَلَا حُكْمَ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ النَّصُّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>