للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعُقُوبَةِ وَالنَّفَقَاتِ، كَمَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، إذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرَقِّي إلَى الثَّمَانِينَ مَضَرَّةٌ مِنْ وَجْهٍ وَمَصْلَحَةٌ مِنْ وَجْهٍ. وَكَذَا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَهُمَا عِنْدَ اللَّهِ مُتَسَاوِيَانِ بِالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ. وَكَذَا كُلُّ وَاقِعَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ. الْخَامِسُ - مَسْأَلَةٌ تَدُورُ بَيْنَ نَصَّيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ، فَحُكْمُ اللَّهِ فِيهِ الْأَصْلَحُ إنْ كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، فَيُلْحَقُ بِالْقِسْمِ الرَّابِعِ وَالثَّالِثِ. وَحُكْمُ اللَّهِ فِيهِ الْأَخْذُ بِالْأَشْبَهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْقُولَ الْمَعْنَى.

وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ اللَّهِ أَشْبَهَ، وَقَدْ تَكُونُ نِسْبَتُهُ فِي الشَّبَهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ عَلَى التَّسَاوِي فِي عِلْمِ اللَّهِ. فَهَذَا مُمْكِنٌ، وَإِذَا أَمْكَنَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ صَوَابٌ وَلَا مُخْطِئَ فِيهِ. إذْ الْخَطَأُ وَالصَّوَابُ يَسْتَدْعِي شَيْئًا مُعَيَّنًا يَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِالصَّوَابِ، وَعَنْ الْغَفْلَةِ عَنْهُ بِالْخَطَأِ، وَهَاهُنَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَإِذًا إنْ كَانَ التَّسَاوِي فِي الصَّلَاحِ أَوْ الشَّبَهِ مُمْكِنًا فِي عِلْمِ اللَّهِ فَقَدْ صَحَّ مَا قُلْنَاهُ، وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا وَإِمْكَانَهُ أَثْبَتَ عَلَيْهِ بِقَوَاطِعِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الْمُبَاحَاتِ كُلَّهَا إنَّمَا سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا لِتَسَاوِيهَا عِنْدَهُ فِي صَلَاحِ الْخَلْقِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَحْكَامِ السِّيَاسَاتِ وَجَمِيعُ مَسَائِلِ تَقَابُلِ الْأَصْلَيْنِ يَكَادُ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، إذْ قَلَّمَا يَكُونُ فِيهَا تَرْجِيحٌ، فَإِذَا قَضَى قَاضٍ بِتَحْلِيفِ أَحَدٍ، وَقَضَى آخَرُ بِتَحْلِيفِ الْآخَرِ فَقَدْ أَصَابَا، بَلْ أَقُولُ: لَوْ اسْتَوَى عِنْدَ قَاضٍ وَاحِدٍ الْمَصْلَحَةُ وَالْمَضَرَّةُ فِي أَمْرَيْنِ، أَوْ اسْتَوَى عِنْدَهُ الشَّبَهُ بِالْأَصْلَيْنِ أَوْ الِاسْتِصْحَابُ فِي مُقَابِلِ الْأَصْلَيْنِ وَامْتَنَعَ التَّرْجِيحُ صَارَ مُخَيَّرًا كَمَا فِي سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. فَإِذًا مِنْ الْمَسَائِلِ مَا يُعْلَم أَنَّ الْمُصِيبَ فِيهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ كُلُّ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَخْلُوَ عَنْ حُكْمٍ مَذْكُورٍ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَالْخَيْلِ مَثَلًا فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ، لِأَنَّهُ مَعَ كَثْرَتِهِ فِي زَمَانِ الرَّسُولِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَغْفَلَهُ عَنْ بَيَانِ حُكْمِهِ، فَيَقْطَعُ بِأَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ. وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْنَا فِيهِ نَصٌّ مَثَلًا، فَهَذَا حُكْمُ الْمُجْتَهِدِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>