للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَلِيَّةً بِقِيَاسٍ جَلِيٍّ، فَمَنْ أَخْطَأَ مَعْنَى النَّصِّ كَمَنْ أَخْطَأَ عَيْنَ النَّصِّ، لِأَنَّ النَّصَّ ثَبَتَ الْحُكْمُ لِمَعْنَاهُ لَا لِلَفْظِهِ.

وَمَهْمَا تَعَيَّنَ الْمَطْلُوبُ كَانَ مُصِيبُهُ وَاحِدًا، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: " أَخْطَأَ " إلَّا أَنَّهُ أَخْطَأَ مَا قَصَدَ الشَّرْعُ مِنْهُ أَنْ يَعْثُرَ عَلَيْهِ، وَمَا لَوْ عَثَرَ عَلَيْهِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ عَلَيْهِ. وَهَذَا كَالْأَوَّلِ. الثَّالِثُ - مَا لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الشَّرْعُ لَا بِلَفْظٍ يَخُصُّهُ وَلَا يَخُصُّ غَيْرَهُ وَيَسْرِي إلَيْهِ، وَلَكِنْ لِلْخَلْقِ فِيهِ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْعِبَادِ فَاطْلُبُوهُ. فَهَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْعِبَادِ، فَكُلُّ مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ أَصْلَحُ لِلْعِبَادِ فَالْمُصِيبُ مَنْ أَمْرِ بِهِ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ فَهُوَ مُخْطِئٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَحَ قَدْ تَعَيَّنَ عِنْدَ اللَّهِ وَصَارَ مَطْلُوبًا، وَكُلُّ مَنْ طَلَبَ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَإِمَّا أَنَّهُ يُصِيبُ وَإِمَّا أَنْ يُخْطِئَ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ الْخَطَأُ وَالصَّوَابُ، وَكُلُّ مَا تُصَوِّرَ فِيهِ ذَلِكَ فَيُمَيَّزُ الْمُخْطِئُ لَا مَحَالَةَ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ الْمُصِيبِ.

الرَّابِعُ - مَا لَيْسَ لِلشَّرْعِ فِيهِ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ، وَلَكِنْ قِيلَ لِلْمُجْتَهِدِينَ: اُطْلُبُوا الْحُكْمَ وَتَرَدَّدُوا بَيْنَ رَأْيَيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّأْيَيْنِ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ فِي الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ هَاهُنَا مُصِيبٌ. وَهَذَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ فِي الشَّرْعِ، وَالْعَقْلِ: أَمَّا شَرْعًا فَكُلُّ حُكْمٍ نِيطَ بِاجْتِهَادِ الْوُلَاةِ، كَتَفْرِقَةِ الْعَطَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ أَوْ التَّفَاوُتِ، كَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، إذْ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى عَيْنِهِ وَلَا عَلَى مَسْأَلَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ يُقَالُ: إنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ فِيهِ إهْمَالٌ لِمَصْلَحَةِ تَمَيُّزِ الْفَاضِلِ مِنْ الْفُضُولِ، وَهُوَ مِنْ الْمَصَالِحِ، وَفِي التَّفَاوُتِ إحْدَى الْمَصْلَحَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، وَمَهْمَا قُوبِلَ مَا فِي إحْدَاهُمَا مِنْ الْمَضَرَّةِ بِمَا فِي إحْدَاهُمَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ يَجُوزُ أَنْ تَتَرَجَّحَ إحْدَاهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَسَاوَيَا فِي عِلْمِ اللَّهِ بِالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ. وَإِذَا تَسَاوَيَا فِي عِلْمِ اللَّهِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ صَوَابًا. وَلَوْلَا هَذَا لَرَدَّ الْمَفْضُولُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بَعْضَ مَا أَخَذَهُ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ. أَوْ لَامْتَنَعَ الْفَاضِلُ فِي زَمَنِ عُمَرَ مِنْ أَخْذِ الزِّيَادَةِ.

وَكُلُّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالَيْنِ وَتَقْرِيرِ الْحُكْمَيْنِ. فَهَذَا مِنْهُمْ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>