للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَ (الثَّانِي) عَلَى الْقَصْدِ، كَرَجُلَيْنِ رَمَيَا إلَى كَافِرٍ، فَأَصَابَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ يُثَابُ الْمُخْطِئُ عَلَى الْقَصْدِ. وَحَكَاهَا الرُّويَانِيُّ فِي " الْبَحْرِ " عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ ثُمَّ قَالَ: وَإِطْلَاقُ الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ عَلَى مَا بَيَّنْت. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَأِ، بَلْ عَلَى قَصْدِهِ الصَّوَابَ. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى اسْتِدَادِهِ فِي تَقَصِّي النَّظَرِ، فَإِنَّ الْمُخْطِئَ يَسْتَدُّ أَوَّلًا ثُمَّ يَزُولُ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، لِأَنَّ الْمُخْطِئَ قَدْ يَحِيدُ فِي الْأَوَّلِ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ ثُمَّ هُوَ مَأْجُورٌ بِحُكْمِ الْخَبَرِ لِقَصْدِ الصَّوَابِ وَإِنْ أَخْطَأَهُ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي " الشَّرْحِ " ثُمَّ الْأَجْرُ عَلَى مَاذَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: (أَحَدُهُمَا) - وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ وَأَبِي الطَّيِّبِ - أَنَّهُ عَلَى الْقَصْدِ إلَى الصَّوَابِ دُونَ الِاجْتِهَادِ، لِأَنَّهُ أَفْضَى بِهِ إلَى الْخَطَأِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ الطَّرِيقَ الْمَأْمُورَ بِهِ. قُلْت: حَكَاهُ الْمُزَنِيّ فِي كِتَابِ " ذَمِّ التَّقْلِيدِ " عَنْ النَّصِّ فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَدِيثِ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» : " لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَأِ فِي الدِّينِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ لِإِرَادَتِهِ الْحَقَّ الَّذِي أَخْطَأَهُ ". قَالَ الْمُزَنِيّ: فَقَدْ ثَبَتَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا أَنَّ الْمُخْطِئَ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ، وَإِنَّمَا أَجْرُهُ عَلَى نِيَّتِهِ لَا عَلَى خَطَئِهِ. انْتَهَى.

وَشَبَّهَهُ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى بِرَجُلَيْنِ رَمَيَا إلَى كَافِرٍ، فَأَخْطَأَ أَحَدُهُمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِهِ الْإِصَابَةَ، بِخِلَافِ السَّاعِي إلَى الْجُمُعَةِ إذَا فَاتَتْهُ يُؤْجَرُ عَلَى الْقَصْدِ وَإِنْ لَمْ يَنَلْ ثَوَابَ الْعَمَلِ. وَ (الثَّانِي) أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ بَذَلَ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَالْوُقُوفِ عَلَيْهِ. وَرُبَّمَا سَلَكَ الطَّرِيقَ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْإِتْمَامَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا مُنَاسِبٌ إذَا سَلَكَهُ فِي الِابْتِدَاءِ. فَإِنْ حَادَ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>