للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى غَايَةٍ حَكَاهُ عَنْهُ الْعَسْكَرِيُّ فِي فُرُوقِهِ "، وَفِي " النُّكَتِ " لِابْنِ الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيِّ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْبَصْرِيَّ عَنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: مُحَرَّمٌ فِي الْقَبِيحِ إذَا كَانَ طَرِيقُ قُبْحِهِ مَقْطُوعًا بِهِ، وَيَقُولُونَ: مَكْرُوهٌ فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ مُجْتَهَدًا فِيهِ كَسُؤْرِ كَثِيرٍ مِنْ السِّبَاعِ. قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِ مَكْرُوهًا أَيْضًا تَوَسُّعًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَفْظَ الْمَكْرُوهِ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ.

تَنْبِيهٌ (الْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مُلَازِمَةً لِلذَّمِّ) الْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مُلَازِمَةً لِلذَّمِّ وَالْإِثْمِ لَا طَرْدًا وَلَا عَكْسًا، فَقَدْ يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ عَلَى مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، كَمَا إذَا قَدِمَ عَلَى زَوْجِهِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً، وَقَدْ يَحْرُمُ مَا لَيْسَ فِيهِ إثْمٌ، كَمَا إذَا قَدِمَ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ. وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ: أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ تَابِعَانِ لِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ الْأَبْضَاعَ، وَالْأَمْوَالَ، وَالْأَزْوَاجَ فِي أَحْوَالٍ بِشُرُوطٍ، وَحَرَّمَهَا بِدُونِ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، جَعَلَ الْإِثْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ، فَإِذَا قَدِمَ الْعَبْدُ عَلَى فِعْلٍ يَعْتَقِدُهُ حَلَالًا وَهُوَ حَرَامٌ لَا إثْمَ عَلَيْهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْعَبْدِ، وَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى فِعْلٍ يَظُنُّهُ حَرَامًا وَهُوَ حَلَالٌ عَاقَبَهُ عَلَى الْجُرْأَةِ، فَمَعْنَى قَوْلِنَا: هَذَا الْفِعْلُ حَرَامٌ أَنَّ الشَّارِعَ لَهُ تَشَوُّفٌ إلَى تَرْكِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِنَا: حَلَالٌ خِلَافُ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>