وَالْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ يُطْلَقَانِ تَارَةً عَلَى مَا فِيهِ إثْمٌ وَمَا لَيْسَ فِيهِ، وَهُوَ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ بِقَوْلِهِمْ: الْحَرَامُ مَا يُذَمُّ عَلَيْهِ، وَتَارَةً عَلَى مَا لِلشَّارِعِ فِيهِ تَشَوُّفٌ إلَى تَرْكِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَطْءُ الشُّبْهَةِ، أَعْنِي شُبْهَةَ الْمَحَلِّ حَرَامٌ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا إثْمَ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ عَلَى رَأْيٍ، وَهَذَا يُمْكِنُ رَدُّ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ إلَيْهِ فِي حَدِّ الْحَرَامِ بِأَنَّهُ مَا يُذَمُّ فَاعِلُهُ، بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ يُذَمُّ بِالْقُوَّةِ. أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ، يُذَمُّ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِحَالِهِ، وَإِنْ اسْتَنْكَرْت إطْلَاقَ الْحُرْمَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ، فَانْظُرْ إلَى قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ: لَوْ اشْتَبَهَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِأَجْنَبِيَّةٍ حُرِّمَتَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُمَا.
وَقَوْلُهُ: إذَا قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ حُرِّمَتَا تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ، فَإِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْفَرْعَيْنِ حَرَامٌ بِاعْتِبَارِ الْإِثْمِ عَلَى الْجُرْأَةِ، وَهِيَ الَّتِي فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهَا الزَّوْجَةُ فِي الْأُولَى، وَاَلَّتِي سَيُعَيِّنُهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَالْأُخْرَى حَرَامٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَقَوْلُهُمْ: حُرِّمَتَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُمْ: تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ، فَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَثْبَتُوا التَّحَرُّمَ لِلزَّوْجَةِ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ، وَصَرَفُوهُ عَنْهَا بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي. وَمَا ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ ذَهَابًا إلَى مُوَافَقَةِ مَنْ يَقُولُ: الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ يُوصَفُ بِهِمَا الذَّوَاتُ بَلْ هُوَ تَوَسُّطٌ. وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ يُوصَفُ بِهِمَا ذَوَاتُ الْأَفْعَالِ طَابَقَتْ الِاعْتِقَادَ أَمْ لَا. وَهَذَا إذَا تَبَيَّنَ لَك فِي الْحَرَامِ نَقَلْته إلَى بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ.
وَانْظُرْ قَوْلَ الْبَيْضَاوِيِّ: قَالَ الْفُقَهَاءُ: يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْحَائِضِ، وَالْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ، فَرُبَّ وَاجِبٍ يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِتَرْكِهِ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ، وَيَكُونُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute