للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ سَبَبَ أَقْوَالِهِمْ الْوَحْيُ فَلَا يَكُونُ تَقْلِيدًا أَيْضًا عَلَى الْأَوَّلِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُمْ يَجْتَهِدُونَ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ السَّبَبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا الْوَحْيُ أَوْ الِاجْتِهَادُ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَقَدْ عَلِمْنَا السَّبَبَ، وَاجْتِهَادُهُمْ مَعْلُومُ الْعِصْمَةِ. قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الْقَفَّالَ بَنَى الْخِلَافَ فِي تَسْمِيَتِهِ مُقَلِّدًا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ عَنْ قِيَاسٍ؟ فَإِنْ كَانَ يَقُولُهُ - وَهُوَ الْأَصَحُّ - فَيُقَلَّدُ، لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَقَالَهُ عَنْ وَحْيٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَلَيْسَ بِتَقْلِيدٍ.

وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي التَّعْلِيقِ ": لَا خِلَافَ أَنَّ قَبُولَ قَوْلِ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يُسَمَّى تَقْلِيدًا. وَأَمَّا قَبُولُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهَلْ يُسَمَّى تَقْلِيدًا؟ وَجْهَانِ يَنْبَنِيَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي حَقِيقَةِ التَّقْلِيدِ مَاذَا؟ قُلْت: وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ السِّلْسِلَةِ " أَنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُسَمَّى تَقْلِيدًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَقِّ الصَّحَابِيِّ لَمَّا ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ مَا نَصُّهُ: فَإِمَّا أَنْ يُقَلِّدَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انْتَهَى.

وَخَطَّأَ الْمَاوَرْدِيُّ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ، وَلَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ ": أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَعْلِ الْقَبُولِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْلِيدًا وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّقْلِيدِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْقَبُولَ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ وَجْهِهِ.

وَفِي وُقُوعِ اسْمِ التَّقْلِيدِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الِاسْمُ، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى رُجُوعِ الْخِلَافِ إلَى اللَّفْظِ، وَبِهِ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ " وَقَالَ: هُوَ اخْتِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ يَهُونُ مَوْقِعُهَا عِنْدَ ذَوِي التَّحْقِيقِ. وَاخْتَارَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَقْلِيدًا، بَلْ هُوَ اتِّبَاعُ شَخْصٍ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ فِي أَنَّ لَهُ حُجَّةً، فَلَا يَكُونُ قَبُولُ قَوْلِهِ قَبُولَ قَوْلٍ فِي الدِّينِ مِنْ قَائِلِهِ بِلَا حُجَّةٍ. وَأَغْرَبَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْآخِذَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالرَّاجِعَ إلَيْهِ لَيْسَ بِمُقَلِّدٍ، بَلْ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>