للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَائِرٌ إلَى دَلِيلٍ وَعِلْمٍ يَقِينٍ. فَأَمَّا كَوْنُهُ صَائِرًا إلَى دَلِيلٍ وَعِلْمٍ يَقِينٍ فَلَا رَيْبَ فِيهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يُسَمَّى تَقْلِيدًا فَمَرْدُودٌ بِالْخِلَافِ السَّابِقِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَحَدٍ سِوَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَلَّدُ، بَلْ وَفِي أَنَّهُ لَا يُقَلَّدُ سِوَاهُ. وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّهُ أَوَّلَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ بِتَقْلِيدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ قُلْت؟ وَلَا: لِمَ قُلْت؟ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَكَذَا فَكَذَا أَيْضًا جَاءَ فِي الْعَامِّيِّ مَعَ الْمُجْتَهِدِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْأَلُهُ: مِنْ أَيْنَ قُلْت؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَامِّيُّ عَنْهُ مُقَلِّدًا فَلَا يَكُونُ أَيْضًا. هَذَا كَذَلِكَ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي مَمْنُوعٌ. بَلْ الْأَصْحَابُ اخْتَلَفُوا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَلَى طُرُقٍ: (أَحَدُهَا) تَأْوِيلُ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا تَقْلِيدَ فِي اتِّبَاعِ الرَّسُولِ، وَلَا فِي اتِّبَاعِ الْعَامِّيِّ الْمُجْتَهِدَ. وَرَأْسُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْقَاضِي، وَقَدْ أَوَّلَهُ كَمَا رَأَيْت، وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ. وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ عَلَى الِاعْتِضَادِ بِهَذَا النَّصِّ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعَ الْعَامِّيِّ الْمُجْتَهِدَ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ، فَجَرَتْ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْتَثْنَى دُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَتَصَرَّفَتْ فِي الْمُسْتَثْنَى بِالتَّأْوِيلِ إمَّا مَعَ الِاعْتِرَاضِ، كَالْقَاضِي، أَوْ لَا مَعَهُ، كَالْغَزَالِيِّ. وَ (ثَانِيهَا) فِرْقَةٌ اعْتَقَدَتْ أَنَّ الْعَامِّيَّ مُقَلِّدٌ، وَأَنَّ الْأَخْذَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَقْبُولٌ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ لَمْ تَجْرِ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ، لَا فِي الْمُسْتَثْنَى وَلَا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَمِنْهُمْ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ: هَذَا مَذْكُورٌ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّعِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَرَأْسُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ، فَقَالَ فِي أَوَّلِ " تَعْلِيقِهِ " إذَا قُلْنَا بِقَوْلِهِ الْجَدِيدِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَحَدٍ بِحَالٍ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ ": إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا إلَّا الرَّسُولَ. فَمَنْ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ يُسَمَّى تَقْلِيدًا فَقَدْ غَلِطَ، وَتَقْلِيدُ الرَّسُولِ لَا يَجُوزُ. وَإِنَّمَا صُورَتُهُ صُورَةُ التَّقْلِيدِ، وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ تَقْلِيدٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَأَجَابَ كَانَ جَوَابُهُ فِي الصُّورَةِ مِثْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>