للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْ يُسْأَلَ الشَّافِعِيُّ فَيُجِيبَ، لَكِنَّ حَقِيقَةَ التَّقْلِيدِ قَبُولُ قَوْلِ الْمُجِيبِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ لَا يُمْكِنُ هُنَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّلِيلِ، وَجَوَابُ الرَّسُولِ بِعَيْنِهِ حُجَّةٌ وَدَلِيلٌ، فَلَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي الْجَوَابِ. انْتَهَى.

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لِلنَّصِّ تَأْوِيلَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ تَقْلِيدُ أَحَدٍ بَعْدَ الرَّسُولِ، بَلْ يَفْتَرِقُونَ، فَعَالِمُهُمْ لَا يُقَلِّدُ، وَعَامِّيُّهُمْ يُقَلِّدُ. وَأَمَّا الرَّسُولُ فَنِسْبَةُ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ إلَيْهِ سَوَاءٌ، وَالْكُلُّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَاهِلِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ تَقْلِيدًا، بَلْ لِأَنَّا قَدْ قُلْنَا: إنَّ لِلْعَامِّيِّ سُؤَالَ الْعَالِمِ عَنْ مَأْخَذِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الرَّسُولُ [فَلَيْسَ] لِعَامِّيٍّ وَلَا لِلْعَالِمِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: لِمَ؟ وَلَا: مِنْ أَيْنَ؟ وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَبْقَى لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ عَمَلٌ إلَّا فِي تَعْمِيمِ قَوْلِهِ " أَحَدٍ " عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: كُلُّ أَحَدٍ. وَ (ثَانِيهِمَا) إبْقَاءُ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَلَّدُ إلَّا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فَلَا يُقَلَّدُ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى التَّقْلِيدِ أَنْ يُلْقِيَ الْمَرْءُ الْمَقَالِيدَ وَيَطْرَحَ كُلَّهُ وَيَجْعَلَ اعْتِمَادَهُ فِيمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الْحَوَادِثِ وَفِي تَفَرُّقِ حَمْلِهَا عَلَى الرَّسُولِ وَالرُّجُوعِ إلَيْهِ فِي كُلِّ نَائِبَةٍ نُدْرَةٌ. وَإِنَّمَا تَطْمَئِنُّ فِيمَنْ لَا يُخْطِئُ، وَذَلِكَ هُوَ مَنْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ، وَهُوَ الرَّسُولُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - فَإِنْ قُلْت: وَالرُّجُوعُ إلَى الْمُجْتَهِدِ رُجُوعٌ إلَيْهِ. قِيلَ: وَلَكِنْ لَا وُثُوقَ بِصَوَابِ الْمُجْتَهِدِ. فَإِذًا لَا يُقَلَّدُ إلَّا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ نَهْيُ الشَّافِعِيِّ عَنْ التَّقْلِيدِ حَيْثُ قَالَ الْمُزَنِيّ: هَذَا مُخْتَصَرٌ اخْتَصَرْتُهُ مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ، مَعَ عِلْمِهِ نَهْيُهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ. انْتَهَى. فَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ: يُقَلَّدُ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يُقَلَّدُ فَتْوَاهُ.

وَأَمَّا دَعْوَى الْقَاضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ لَا يُقَلَّدُ فَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَهُ أَنَّ الْمُقَلِّدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>