شَاكٌّ فِيمَنْ يُقَلِّدُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بَلْ الْمُقَلِّدُ لَا شَكَّ عِنْدَهُ، لِوُثُوقِهِ بِالْمُقَلَّدِ الَّذِي أَلْقَى بِتَقَالِيدِهِ إلَيْهِ، وَلَمَّا تَقَارَبَ الْخِلَافُ زَعَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ، وَلَمَّا اعْتَقَدَ الْقَاضِي أَنَّ اتِّبَاعَ الْعَامِّيِّ تَقْلِيدٌ، وَأَنَّ الْمُقَلِّدَ شَاكٌّ مَعَ التَّقْلِيدِ، تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ (إيمَانِ الْمُقَلِّدِ) الَّتِي تُعْزَى لِأَبِي الْحَسَنِ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقْنَا الْكَلَامَ فِي بَيَانِ مَعْنَى التَّقْلِيدِ، لِيَخْرُجَ مِنْهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. وَمِنْ ثَمَّ عَقَدَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " بَابًا فِي إمْكَانِ التَّقْلِيدِ فِي جُمْلَةِ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ عَقَدَ بَابًا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي فُرُوعِ الْأَحْكَامِ، كَمَا لَا يَجُوزُ فِي أُصُولِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّ أَخْذَ الْعَامِّيِّ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ، هَلْ يُسَمَّى تَقْلِيدًا أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَوْعِ اجْتِهَادٍ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيَّ وَابْنُ الْحَاجِبِ. وَحَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ فِي زِيَادَتِهِ " عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ، لِأَنَّهُ بَذَلَ مَجْهُودَهُ فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ أَصْلًا، فَإِنَّ قَوْلَ الْعَالِمِ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَفْتِي. نَصَبَهُ الرَّبُّ عَلَمًا فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِهِ، كَمَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْعَمَلَ بِاجْتِهَادِهِ، وَاجْتِهَادُهُ عَلَمٌ عَلَيْهِ. وَيَتَخَرَّجُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَقْلِيدٌ مُبَاحٌ فِي الشَّرِيعَةِ، لَا فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ. إذْ التَّقْلِيدُ عَلَى مَا عَرَّفَهُ الْقَاضِي: اتِّبَاعُ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِاتِّبَاعِهِ حُجَّةٌ وَلَمْ يَسْتَنِدْ إلَى عِلْمٍ. قَالَ: وَلَوْ سَاغَ تَسْمِيَةُ الْعَامِّيِّ مُقَلِّدًا مَعَ [أَنَّ] قَوْلَ الْعَالِمِ فِي حَقِّهِ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ جَازَ أَنْ يُسَمَّى الْمُتَمَسِّكَ بِالنُّصُوصِ وَغَيْرِهَا مِنْ الدَّلَائِلِ مُقَلِّدًا. قَالَ الْقَاضِي: وَلِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إلَى حُجَّةٍ قَطْعِيَّةٍ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ، فَلَا يَكُونُ تَقْلِيدًا. وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيْ التَّقْلِيدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute