للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ التَّقْلِيدُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُقَلَّدُ عَالِمًا بِأَنَّ الَّذِي يُقَلِّدُهُ لَا يُخْطِئُ، فِيمَا قَلَّدَهُ فِيهِ، فَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ بِمُجَرَّدِهِ، كَقَبُولِ الْأَئِمَّةِ عَنْ الرَّسُولِ الْأَحْكَامَ، وَقَبُولِ قَوْلِ الْمُجْمِعِينَ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى وُجُوبِ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَتِهِ تَقْلِيدًا. وَالثَّانِي: قَبُولُهُ عَلَى احْتِمَالِ الصَّوَابِ وَالْخَطَأِ. وَالْعُلُومُ نَوْعَانِ: عَقْلِيٌّ وَشَرْعِيٌّ. الْأَوَّلُ: الْعَقْلِيُّ وَهُوَ الْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوُجُودِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهَا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ، بَلْ يَجِبُ تَحْصِيلُهَا بِالنَّظَرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ " عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الطَّوَائِفِ.

وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي امْتِنَاعِ التَّقْلِيدِ فِي التَّوْحِيدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ خَشَى الْمُكَلَّفُ أَنْ يَمُوتَ لَمْ يَجُزْ التَّقْلِيدُ. وَحَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ جَمِيعِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ التَّقْلِيدُ فِيهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ مَا يَعْرِفُهُ بِالدَّلِيلِ. وَقَالُوا: الْعَقَائِدُ الْأُصُولِيَّةُ عَقْلِيَّةٌ، وَالنَّاسُ مُشْتَرِكُونَ فِي الْعَقْلِ. وَقَالَ: وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ الْعَوَامُّ لِاعْتِقَادِ الْأُصُولِ بِدَلَائِلِهَا، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَمِثْلُهُ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ " عَنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ جَوَازِ التَّقْلِيدِ فِيهَا، تَأَسِّيًا بِالسَّلَفِ، إذْ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجْلَافَ الْعَرَبِ بِالنَّظَرِ، وَنَازَعَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>