للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِالنَّظَرِ الْمُصْطَلَحُ، مِنْ تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ النَّظَرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّرْتِيبِ وَالِاصْطِلَاحُ مَمْنُوعٌ، وَكَيْفَ وَقَدْ شَاهَدُوا الْمُعْجِزَةَ، وَأَحْوَالَ الرَّسُولِ، وَالْقَرَائِنُ الَّتِي شَاهَدُوهَا أَفَادَتْهُمْ الْقَطْعَ.

وَقِيلَ: بَلْ يَجِبُ التَّقْلِيدُ، وَالِاجْتِهَادُ فِيهِ حَرَامٌ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ " الْأَحْوَذِيِّ " عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ ": لَمْ يَقُلْ بِالتَّقْلِيدِ فِي الْأُصُولِ إلَّا الْحَنَابِلَةُ، وَقَالَ الْإسْفَرايِينِيّ: لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: وَسَأَلْت الْحَنَابِلَةَ فَقَالُوا: مَشْهُورُ مَذْهَبِنَا مَنْعُ التَّقْلِيدِ وَالْغَزَالِيُّ يَمِيلُ إلَيْهِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ " عَنْ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ كَتَبَةِ الْحَدِيثِ، أَنَّ طَلَبَ الدَّلِيلِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّوْحِيدِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ هُوَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَرَوْنَ الشُّرُوعَ فِي مُوجِبَاتِ الْعُقُولِ كُفْرًا، وَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ وَالنَّظَرَ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا وَهُوَ طَرِيقٌ إلَى حُصُولِ الْعِلْمِ حَتَّى يَصِيرَ بِحَيْثُ لَا يَتَرَدَّدُ، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الِاعْتِقَادُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُؤْمِنًا وَزَالَ عَنْهُ كُلْفَةُ طَلَبِ الْأَدِلَّةِ، وَمَنْ أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْهِ، أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالِاعْتِقَادِ الصَّافِي مِنْ الشُّبْهَةِ وَالشُّكُوكِ، فَقَدْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِأَكْلِ أَنْوَاعِ النَّعَمِ وَأَحَلَّهَا، حَتَّى لَمْ يَكِلْهُ إلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، لَا سِيَّمَا الْعَوَامُّ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَجِدُهُ فِي صِيَانَةِ اعْتِقَادِهِ أَكْثَرَ مِمَّنْ شَاهَدَ ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ.

وَمَنْ كَانَ هَذَا وَصْفُهُ، كَانَ مُقَلِّدًا فِي الدَّلِيلِ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَنَا أَجْمَعُوا، عَلَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي النِّيَّاتِ، بِحَيْثُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الشُّبْهَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>