للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا مَا يَرِدُ عَلَى صَاحِبِ الِاسْتِدْلَالِ، وَجَزَمَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ بِوُجُوبِ النَّظَرِ، ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ اعْتَقَدَ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِالدَّلِيلِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ: إنَّهُ مُؤْمِنٌ مِنْ أَهْلِ الشَّفَاعَةِ، وَإِنْ فَسَقَ بِتَرْكِ الِاسْتِدْلَالِ، وَبِهِ قَالَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا، حَتَّى يَخْرُجَ فِيهَا عَنْ جُمْلَةِ الْمُقَلِّدِينَ. انْتَهَى.

وَقَدْ اُشْتُهِرَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ إيمَانَ الْمُقَلِّدِ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيّ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُحَقِّقِينَ صِحَّتَهُ عَنْهُ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ قَبُولَ قَوْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، فَإِنَّ التَّقْلِيدَ بِهَذَا الْمَعْنَى قَدْ يَكُونُ ظَنًّا، وَقَدْ يَكُونُ وَهْمًا، فَهَذَا لَا يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ. أَمَّا التَّقْلِيدُ بِمَعْنَى الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ لَا الْمُوجِبِ، فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْإِيمَانِ، إلَّا أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَإِذَا مَنَعْنَا التَّقْلِيدَ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَبْلُغَ فِيهِ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ، بِحَيْثُ يَحِلُّ لَهُ الْفَتْوَى فِي الْحُكْمِ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إيجَابُ مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْمُتَكَلِّمُونَ، بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ الصَّوَابِ، وَمَتَى أَوْجَبْنَا ذَلِكَ فَمَتَى يُوجَدُ مِنْ الْعَوَامّ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ؟ وَيَصْدُرُ عَقِيدَتُهُ عَنْهُ؟ كَيْفَ وَهُمْ لَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْأَدِلَّةُ لَمْ يَفْهَمُوهَا، وَإِنَّمَا غَايَةُ الْعَامِّيِّ، أَنْ يَتَلَقَّى مَا يُرِيدُ - أَنْ يَعْتَقِدَهُ وَيَلْقَى [بِهِ] رَبَّهُ - مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَيَتْبَعَهُمْ فِي ذَلِكَ وَيُقَلِّدَهُمْ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَيْهَا بِقَلْبٍ طَاهِرٍ عَنْ الْأَهْوَاءِ وَالْإِدْخَالِ، ثُمَّ يَعَضُّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَلَا يَحُولُ، وَلَا يَزُولُ، وَلَوْ قُطِّعَ إرْبًا، فَهَنِيئًا لَهُمْ السَّلَامَةُ، وَالْبَعْدُ عَنْ الشُّبُهَاتِ الدَّاخِلَةِ عَلَى أَهْلِ الْكَلَامِ، وَالْوَرَطَاتِ الَّتِي تَغُولُهَا، حَتَّى أَدَّتْ بِهِمْ إلَى الْمَهَاوِي وَالْمَهَالِكِ، وَدَخَلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّبُهَاتُ الْعَظِيمَةُ وَصَارُوا مُتَجَرِّئِينَ، وَلَا يُوجَدُ فِيهِمْ مُتَوَرِّعٌ عَفِيفٌ إلَّا الْقَلِيلَ، فَإِنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ وَرَعِ الْأَلْسِنَةِ، وَأَرْسَلُوهَا فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِجُرْأَةٍ وَعَدَمِ مَهَابَةٍ وَحُرْمَةٍ، فَفَاتَهُمْ وَرَعُ سَائِرِ الْجَوَارِحِ، وَذَهَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>