للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْهُمْ بِذَلِكَ وَرَعُ اللِّسَانِ، وَالْإِنْسَانُ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَإِذَا خَرِبَ جَانِبٌ مِنْهُ، تَدَاعَى سَائِرُهُ إلَى الْخَرَابِ، وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ دَلِيلٍ لِفَرِيقٍ مِنْهُمْ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ، إلَّا وَلِخُصُومِهِمْ عَلَيْهِ مِنْ الشُّبْهَةِ الْقَوِيَّةِ.

وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ مِنْ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ بِقَدْرِ مَا يَنَالُ الْمُسْلِمُ بِهِ رَدَّ الْخَاطِرِ، وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ إيجَابُ التَّوَصُّلِ إلَى الْعَقَائِدِ فِي الْأُصُولِ، بِالطَّرِيقِ الَّذِي اعْتَقَدُوا، وَسَامُوا بِهِ الْخَلْقَ، وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَعْرِفْ اللَّهَ تَعَالَى، ثُمَّ أَدَّى بِهِمْ ذَلِكَ إلَى تَكْفِيرِ الْعَوَامّ أَجْمَعَ، وَهَذَا هُوَ الْخَطِيئَةُ الشَّنْعَاءُ، وَالدَّاءُ الْعُضَالُ، وَإِذَا كَانَ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ هُمْ الْعَوَامُّ، وَبِهِمْ قِوَامُ الدِّينِ، وَعَلَيْهِمْ مَدَارُ رَحَى الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّ لَا يُوجَدُ فِي الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي تَجْمَعُ الْمِائَةَ أَلْفٍ، مَنْ يَقُومُ بِالشَّرَائِطِ الَّتِي تَعْتَبِرُونَهَا، إلَّا الْعَدَدَ الْقَلِيلَ الشَّاذَّ الشَّارِدَ النَّادِرَ، وَلَعَلَّهُ لَا يَبْلُغُ عَقْدَ الْعَشَرَةِ، فَمَنْ يَجِدُ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبْلَهُ، أَنْ يَحْكُمَ بِكُفْرِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ أَجْمَعَ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ لَا عَقِيدَةَ لَهُمْ فِي أُصُولٍ أَصْلًا، وَإِنَّهُمْ أَمْثَالُ الْبَهَائِمِ. انْتَهَى.

الثَّانِي: الشَّرْعِيُّ: وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْفُرُوعِ وَالْمَذَاهِبِ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ: فِرْقَةٌ أَوْجَبَتْ التَّقْلِيدَ وَفِرْقَةٌ حَرَّمَتْهُ وَفِرْقَةٌ تَوَسَّطَتْ. [الْأَوَّلُ] فَذَهَبَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى تَحْرِيمِ التَّقْلِيدِ مُطْلَقًا، كَالتَّقْلِيدِ فِي الْأُصُولِ، وَوَافَقَهُمْ ابْنُ حَزْمٍ، وَكَادَ يَدَّعِي الْإِجْمَاعَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ التَّقْلِيدِ، قَالَ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: (أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ، فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي، فَمَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يُوَافِقْ فَاتْرُكُوهُ) وَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: وَدِدْت أَنِّي ضُرِبْت بِكُلِّ مَسْأَلَةٍ تَكَلَّمْت فِيهَا بِرَأْيٍ سَوْطًا، عَلَى أَنَّهُ لَا صَبْرَ لِي عَلَى السِّيَاطِ قَالَ: فَهَذَا مَالِكٌ يَنْهَى عَنْ تَقْلِيدِهِ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا، فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَتَأْخُذُ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْت عَلَيَّ زُنَّارًا؟ أَرَأَيْتَنِي خَارِجًا مِنْ كَنِيسَةٍ؟ حَتَّى تَقُولَ لِي فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَأْخُذُ بِهَذَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>