للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَمْ يَزَلْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كُتُبِهِ يَنْهَى عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ، هَكَذَا رَوَاهُ الْمُزَنِيّ فِي أَوَّلِ " مُخْتَصَرِهِ " عَنْهُ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا نَهَوْا الْمُجْتَهِدَ خَاصَّةً عَنْ تَقْلِيدِهِمْ، دُونَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الرُّتْبَةَ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وُجُوبُ الِاجْتِهَادِ، وَإِبْطَالُ التَّقْلِيدِ لِقَوْلِهِ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ أَرْبَعَ عَشْرَةَ صُورَةً لِلضَّرُورَةِ: وُجُوبَ التَّقْلِيدِ عَلَى الْعَوَامّ، وَتَقْلِيدَ الْقَائِفِ، إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ. وَالثَّانِي يَجِبُ مُطْلَقًا، وَيَحْرُمُ النَّظَرُ، وَنُسِبَ إلَى بَعْضِ الْحَشْوِيَّةِ. وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ: " لَا يَحِلُّ تَقْلِيدُ أَحَدٍ " مُرَادُهُمْ عَلَى الْمُجْتَهِدِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَأَلْت أَبِي، الرَّجُلُ يَكُونُ عِنْدَهُ الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ، فِيهَا قَوْلُ الرَّسُولِ وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ لَهُ بَصِيرَةٌ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الْمَتْرُوكِ وَلَا الْإِسْنَادِ الْقَوِيِّ مِنْ الضَّعِيفِ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ وَيُفْتِي بِهِ؟ قَالَ: لَا يَعْمَلُ حَتَّى يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ عَمَّا يُؤْخَذُ بِهِ مِنْهَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ وَالسُّؤَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. انْتَهَى.

وَأَمَّا تَحْرِيمُهُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] يَعْنِي كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ الْمُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ لَمَّا «قَالَ لَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمَ تَحْكُمُ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ، قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِهِ، إلَى مَا يَرْضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ» . قَالُوا فَصَوَّبَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ جُمْلَتِهِ التَّقْلِيدَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ يَحْرُمُ عَلَى الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>