أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] . قَالَ الْمُزَنِيّ فِي كِتَابِهِ فَسَادِ التَّأْوِيلِ ": تَوْفِيقُ اللَّهِ تَعَالَى لِمُعَاذٍ فِي اجْتِهَادِهِ لِمَا يَرْضَاهُ رَسُولُهُ عِنْدَنَا إنَّمَا هُوَ لِنَظَرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُهُ أَفَرْضَ مَا رَأَيْت فِي الْحَادِثَةِ، لَوَجَبَ فَرْضُ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، قَالَ: وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ كَقَوْلِهِ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: ٢٢] وَقَوْلِهِ: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: ٦٧] وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١] وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا وَإِنَّمَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ» قَالَ: وَيُقَالُ لِمَنْ حَكَمَ بِالتَّقْلِيدِ: هَلْ لَك مِنْ حُجَّةٍ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، أُبْطِلَ التَّقْلِيدُ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا التَّقْلِيدَ وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، قِيلَ لَهُ: فَلِمَ أَرَقْت الدِّمَاءَ، وَأَبَحْت الْفُرُوجَ وَالْأَمْوَالَ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ. فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَصَبْت، وَإِنْ لَمْ أَعْرِفْ الْحُجَّةَ، لِأَنَّ مُعَلِّمِي مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ.
قِيلَ لَهُ: تَقْلِيدُ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِك أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِك، لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَنْ مُعَلِّمِهِ كَمَا لَمْ يَقُلْ مُعَلِّمُك إلَّا بِحُجَّةٍ قَدْ خَفِيَتْ عَنْك، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ تَرَكَ تَقْلِيدَ مُعَلِّمِهِ إلَى تَقْلِيدِ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْعَالِمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ نُقِضَ قَوْلُهُ، وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ وَأَقَلُّ عِلْمًا، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَأَغْزَرُ عِلْمًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ حَذَّرَ مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ» . وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute