للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» وَقَوْلُهُ: «بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» ، وَلِهَذَا يُعْتَدُّ بِأَقْوَالِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ. وَاحْتَجَّ الْأُصُولِيُّونَ عَلَيْهِ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فِي زَمَانِنَا، عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِفَتَاوَى الْمَوْتَى، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ، وَالْمُجْمِعُونَ لَيْسُوا مُجْتَهِدِينَ فَلَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعُهُمْ بِحَالٍ، أَوْ نَقُولُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، إنَّمَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَوَازِ إفْتَاءِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ، فَلَوْ أَثْبَتَ جَوَازَ إفْتَائِهِ بِهَذَا لَزِمَ الدَّوْرُ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الْمُجْتَهِدِينَ قَاطِبَةً. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ التَّمَسُّكُ بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ ذَلِكَ، لَأَدَّى إلَى فَسَادِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَهَذَا شَيْءٌ سَبَقَهُ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، فَقَالُوا: لَوْ مَنَعْنَا مِنْ تَقْلِيدِ الْمَاضِينَ، لَتَرَكْنَا النَّاسَ حَيَارَى، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْخِلَافَ يَجْرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَصْرِ مُجْتَهِدٌ، وَذَلِكَ هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْمَحْصُولِ ": " إنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ الْيَوْمَ "، مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ " لَا يُقَلَّدُ الْمَيِّتُ ".

وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ، فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْقُطْرِ مُجْتَهِدٌ وَمُجْتَهِدُونَ: فَمِنْ قَائِلٍ مَوْتُ الْمُجْتَهِدِ لَا يُمِيتُ قَوْلَهُ، فَكَأَنَّهُ أَحَدُ الْأَحْيَاءِ، فَيُقَلَّدُ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ، وَمِنْ قَائِلٍ، بَلْ يَبْطُلُ قَوْلُهُ، وَيَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْحَيِّ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُفَصِّلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ أَرْجَحَ مِنْ الْحَيِّ، فَلَا يُتْرَكُ قَوْلُهُ، لَا سِيَّمَا إذَا أَوْجَبْنَا تَقْلِيدَ الْأَعْلَمِ، أَوْ يُفَصِّلَ بَيْنَ أَنْ يَطَّلِعَ الْمُجْتَهِدُ الْحَيُّ عَلَى مَأْخَذِ الْمَيِّتِ ثُمَّ يُخَالِفُهُ، فَلَا يُقَلِّدُ الْمَيِّتَ حِينَئِذٍ، أَوْ لَا يَطَّلِعُ فَيُقَلِّدُ، فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ الْمُطْلَقُ، إمَّا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، كَمَنْ تَجَدَّدَ فِسْقُهُ بَعْدَ عَدَالَتِهِ لَا يَبْقَى حُكْمُ عَدَالَتِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّ قَوْلَهُ وَصْفُهُ، وَبَقَاءُ الْوَصْفِ مَعَ زَوَالِ الْأَصْلِ مُحَالٌ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَجْدِيدِهِ، لَا يَتَحَقَّقُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَتَقْلِيدُهُ بِنَاءً عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>