وَهْمٍ أَوْ تَرَدُّدٍ، وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَهَذَا الْوَجْهُ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الْقَاضِي. قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ. وَنَصَرَهُ ابْنُ الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيُّ فِي كِتَابِ النُّكَتِ " وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ " فِيهِ إجْمَاعَ الْأُصُولِيِّينَ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ ": إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ " فِيهِ فَقَالَ: اخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى بِمَا يَحْكِيهِ عَنْ الْمُفْتِينَ؟ فَنَقُولُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْكِيَ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ عَنْ حَيٍّ، فَإِنْ حَكَى عَنْ مَيِّتٍ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لِلْمَيِّتِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ خِلَافِهِ حَيًّا، وَيَنْعَقِدُ مَعَ مَوْتِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ قَوْلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ صُنِّفَتْ كُتُبُ الْفِقْهِ مَعَ فَنَاءِ أَصْحَابِهَا؟ قُلْت: لِفَائِدَتَيْنِ: (إحْدَاهُمَا) : اسْتِبَانَةُ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْحَوَادِثِ، وَكَيْفَ بُنِيَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.
(وَالثَّانِيَةُ) : مَعْرِفَةُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلِفِ، فَلَا يُفْتَى بِغَيْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ الرَّاوِي عَدْلًا ثِقَةً مُتَمَكِّنًا مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي مَاتَ، ثُمَّ رَوَى لِلْعَامِّيِّ قَوْلَهُ حَصَلَ لِلْعَامِّيِّ ظَنَّ صِدْقِهِ، ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُجْتَهِدُ عَدْلًا ثِقَةً عَالِمًا، فَذَلِكَ يُوجِبُ ظَنَّ صِدْقِهِ فِي تِلْكَ الْفَتْوَى، فَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّدُ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّبَقَتَيْنِ لِلْعَامِّيِّ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ نَفْسُ مَا رَوَى لَهُ هَذَا الرَّاوِي الْحَيُّ عَنْ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ الْمَيِّتِ، وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْعَمَلُ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا هَذَا عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفَتْوَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مُجْتَهِدٌ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute