للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْمُجْتَهِدِينَ.

وَقَالَ الْعَلَّامَةُ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " التَّلْقِيحِ ": تَوْقِيفُ الْفُتْيَا عَلَى حُصُولِ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ، أَوْ اسْتِرْسَالِ الْخَلْقِ فِي أَهْوَائِهِمْ. فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا كَانَ عَدْلًا مُتَمَكِّنًا مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ حَكَى لِلْمُقَلِّدِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ عِنْدَهُ. وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفُتْيَا. هَذَا مَعَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يَرْجِعْنَ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا يُخْبِرُ بِهِ أَزْوَاجُهُنَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَرْسَلَ الْمِقْدَادَ فِي قِصَّةِ الْمَذْيِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا أَظْهَرُ، فَإِنَّ مُرَاجَعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ ذَاكَ مُمْكِنَةٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْمُقَلِّدِ الْآنَ لِلْأَئِمَّةِ السَّابِقِينَ مُتَعَذِّرَةٌ. وَقَدْ أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ مَعَ عَدَمِ شَرَائِطِ الِاجْتِهَادِ الْيَوْمَ. انْتَهَى.

وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ عَدِمَ الْمُجْتَهِدُ جَازَ لَهُ الْإِفْتَاءُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِمُقَلِّدِ الْحَيِّ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا شَافَهَهُ بِهِ أَوْ يَنْقُلَهُ إلَيْهِ مَوْثُوقٌ بِقَوْلِهِ، أَوْ وَجَدَهُ مَكْتُوبًا فِي كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ. وَجَعَلَ الْقَاضِي فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " الْخِلَافَ فِي الْعَالِمِ، قَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمَنْ شَدَا شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ أَنْ يُفْتِيَ. انْتَهَى.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إذَا عَلِمَ الْعَامِّيُّ حُكْمَ الْحَادِثَةِ وَدَلِيلَهَا، فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ لِغَيْرِهِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ الدَّلِيلُ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ نَظَرًا وَاسْتِنْبَاطًا لَمْ يَجُزْ. قَالَ: وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ دَلَالَةٌ تُعَارِضُهَا أَقْوَى مِنْهَا. وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ فِي " شَرْحِ الرِّسَالَةِ ": مَنْ حَفِظَ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ وَأَقْوَالَ النَّاسِ بِأَسْرِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حَقَائِقَهَا وَمَعَانِيَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَقِيسَ، وَلَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى، وَلَوْ أَفْتَى بِهِ لَا يَجُوزُ. وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ إنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَحْكِي مَذْهَبَ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ يُقَلِّدُ صَاحِبَ الْمَذْهَبِ وَقَوْلَهُ. وَلِهَذَا كَانَ يَقُولُ أَحْيَانَا: لَوْ اجْتَهَدْت وَأَدَّى اجْتِهَادِي

<<  <  ج: ص:  >  >>