تَعْيِينُ مَحَلِّ الطَّلَاقِ، ثُمَّ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْعُ فِي ذَلِكَ مُوجَبُ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، أَمَّا الْمُضِيُّ إلَى أَنَّ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ، وَالْأُخْرَى مَنْكُوحَةٌ كَمَا تَوَهَّمُوهُ فِي اخْتِلَاطِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَنْقَدِحُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ مِنْ الْآدَمِيِّ عَرَضَ بَعْدَ التَّعْيِينِ. أَمَّا هَذَا فَلَيْسَ مُتَعَيِّنًا فِي نَفْسِهِ، بَلْ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى مُطْلَقًا لِإِحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا. اهـ.
وَمَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ احْتِمَالِ حِلِّ الْوَطْءِ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي كِتَابِ " الْخِلَافِ وَالْإِجْمَاعِ "، وَلَوْ قِيلَ: بِحِلِّ وَطْءِ إحْدَاهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ لِإِحْدَاهُمَا تَعْيِينٌ لِلطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى، كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَبْعُدْ، ثُمَّ إذَا عَيَّنَ إحْدَاهُمَا فِي نِيَّتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ " النِّهَايَةِ ": أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ التَّحْرِيمَ مَا لَمْ يُقَدِّمُ بَيَانًا. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إذَا عَرَفَ الْمُطَلَّقَةَ حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى فِي الْبَاطِنِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ غِشْيَانِهِمَا جَمِيعًا. أَمَّا إذَا غَشِيَ إحْدَاهُمَا فَمَا سَبَبُ الْمَنْعِ حِينَئِذٍ؟ ثُمَّ حَمَلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَتْ الْوَاقِعَةُ لِلْحَاكِمِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ تَعْيِينٌ بِالنِّيَّةِ. أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا وَلِأَجْنَبِيَّةٍ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَرَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ؟ وَجْهَانِ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمًا وَأَثَرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute