للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ رَأَيْت عَنْ أَحْمَدَ التَّصْرِيحَ بِجَوَازِ إرْشَادِهِ إلَى آخَرَ مُعْتَبَرٍ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ. وَفِي " تَعْلِيقِ " الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، فِي (بَابِ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ) أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ كَالْحَنَفِيِّ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ الدَّارَكِيِّ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، يَقَعُ عَلَى مُعْتَقِدِ إبَاحَتِهِ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَفْتَى الشَّافِعِيُّ مَنْ يَرَى مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ بِجَوَازِ التَّحَلُّلِ. فَلَمَّا أَفْتَاهُ بِمَذْهَبِهِ دُونَ مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ بَطَلَ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ. .

مَسْأَلَةٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْعَالَمِ أَنْ يُفْتِيَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِيمَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؟ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ " اللُّمَعِ ": ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يُحَكِّمُ نَفْسَهُ فِيمَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. قَالَ: وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتْوَاهُ لِوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ فِيمَا هَذَا شَأْنُهُ. قُلْت: قَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي " الْبَحْرِ " فِي هَذَا احْتِمَالَيْنِ. فَلَوْ رَضِيَ الْآخَرُ بِفَتْوَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ إذَا أَفْتَى بِنَصٍّ يُقْبَلُ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا فَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَمَّا فَتْوَى نَفْسِهِ مِمَّا يَعُودُ عَلَى أَمْرِ دِينِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اسْتَفْتِ نَفْسَك وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك» . وَأَمَّا فَتْوَاهُ فِيمَا يَعُودُ عَلَى وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ مَا سَبَقَ. .

مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ عِلَّتَهُ، خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ. قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>