وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِالْحِكَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ، بَلْ إنَّمَا يُفْتِي بِاجْتِهَادِهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا سُئِلَ قَوْلَهُ. فَإِنْ سُئِلَ عَنْ حِكَايَةِ قَوْلِ غَيْرِهِ جَازَتْ حِكَايَتُهُ. وَلَوْ جَازَ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِالْحِكَايَةِ جَازَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ. قَالَ: وَإِذَا أَفْتَاهُ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ بِتَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ. قَالَ: وَإِذَا أَفْتَاهُ بِقَوْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَمْ يُخْبِرْ فِي الْقَبُولِ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٍ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفْتِينَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. فَإِنْ كَانَ هَذَا التَّخْيِيرِ مَعْلُومًا مِنْ قَصْدِ الْمُفْتِي لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُخَيِّرَهُ لَفْظًا، بَلْ يَذْكُرَ لَهُ قَوْلَهُ فَقَطْ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُكْمُ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَنْصُوبٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ تَخْيِيرَهُ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُسْتَفْتِي مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي أَعْيَانِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَاخْتَارَ أَحَدَ الْعُلَمَاءِ بِاجْتِهَادِهِ فَكَذَلِكَ الْعَامِّيُّ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ هَذَا الْعَالِمِ وَلَا يَجِبُ تَخْيِيرُهُ. .
مَسْأَلَةٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ، وَقَدْ سَأَلَهُ الْعَامِّيُّ عَلَى يَمِينٍ مَثَلًا وَكَانَ مُعْتَقَدُهُ الْحِنْثَ، أَنْ يُحِيلَهُ عَلَى آخَرَ يُخَالِفُ مُعْتَقَدَهُ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَمْرُ مُقَلِّدِهِ بِذَلِكَ. وَالْأَحْوَطُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُسْتَفْتِي لَا تَشْدِيدًا وَلَا تَسْهِيلًا وَلَا بِحِيلَةٍ. وَقَدْ عَرَفَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute