ثُمًّ أَفْتَاهُ آخَرُ بِخِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، قَالَهُ فِي " الْإِحْكَامِ ". وَقَالَ إلْكِيَا: إنْ تَسَاوَيَا فِي ظَنِّهِ وَلَا تَرْجِيحَ اُخْتُلِفَ فِيهِ: فَقِيلَ: يَحْكُمُ بِخَاطِرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ (الْإِلْهَامِ) . وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّعْلِيقُ بِعِلْمِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِيَكُونَ بَانِيًا عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي " الْمَحْصُولِ ": يَجْتَهِدُ، فَإِنْ ظَنَّ أَرْجَحِيَّةً فِي أَحَدِهِمَا عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ ظَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا مُطْلَقًا فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ، لِتَعَارُضِ أَمَارَتَيْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِوُقُوعِهِ وَيَسْقُطَ التَّكْلِيفُ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ ظَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي الدِّينِ دُونَ الْعِلْمِ قَلَّدَ الْأَعْلَمَ. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ. وَبِالْعَكْسِ الْأَدْيَنَ، وَإِنْ ظَنَّ أَحَدَهَا أَعْلَمَ وَالْآخَرَ أَدْيَنَ فَالْأَقْرَبُ الْأَعْلَمُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ أَصْلٌ وَالدِّينُ مُكَمِّلٌ. .
مَسْأَلَةٌ إذَا اسْتَفْتَى الْمُتَنَازِعَانِ فَقِيهًا مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: فَإِنْ الْتَزَمَا فُتْيَاهُ عَمِلَا بِهِ، وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ أَحَقُّ بِالنَّظَرِ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ لَمْ يَجِدَا حَاكِمًا لَمْ يَلْزَمْهُمَا فُتْيَا الْفَقِيهِ حَتَّى يَلْتَزِمَاهُ. وَإِنْ الْتَزَمَا فُتْيَا الْفَقِيهِ ثُمَّ تَنَازَعَا إلَى الْحَاكِمِ فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِهِ لَزِمَهُمَا فُتْيَا الْفَقِيهِ فِي الْبَاطِنِ، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الظَّاهِرِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُمَا حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى فَتْوَى الْفُقَهَاءِ، وَدَعَا الْآخَرُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، أُجِيبَ الدَّاعِي إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، لِأَنَّ فُتْيَا الْفَقِيهِ إخْبَارٌ وَحُكْمَ الْحَاكِمِ إجْبَارٌ، وَإِذَا دَعَا الْخَصْمُ إلَى فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ لَمْ تُجْبِرْهُ، وَإِنْ دَعَا إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَجْبَرَهُ. وَإِذَا كَانَ الْفَقِيهُ عَدْلًا وَالْحَاكِمُ لَيْسَ بِعَدْلٍ فَأَفْتَاهُمَا الْفَقِيهُ بِحُكْمٍ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِغَيْرِهِ لَزِمَهُمَا فِي الْبَاطِنِ أَنْ يَعْمَلَا بِحُكْمِ الْفَقِيهِ، وَلَزِمَهُمَا فِي الظَّاهِرِ أَنْ يَعْمَلَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute